إيران .. حرامٌ على حماس و حلالٌ على غيرِها

بقلم: عبد السلام فايز

غصّت منصّات الرأي العام ، و وسائل التواصل الاجتماعي بالنقد اللاذع و التحليلات و النقاشات حول ما تضمّنه تصريحٌ حديثُ العهد ، منسوب إلى رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة يحيى السنوار ، و الذي امتدح فيه قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني ، واصفاً إياه بأنّه مُحِبّ لفلسطين منذ زمنٍ بعيد ، و مستعدّ لتقديم العون العسكري المباشر لإنقاذ مدينة القدس من مخططات التهويد ..

ما إنْ لفظَ السنوار هذه الكلمات ، حتى شنّت حملة واسعة النطاق عليه ، حتى من داخل حركة حماس ذاتها ، و من قبل أشخاص محسوبين و مناصرين لحركة حماس ، و وصل الأمر إلى إدراجه على لائحة الخارجين من الملّة ..

لم تكن تصريحات السنوار هي الحلقة الوحيدة في مسلسل التقارب بين الجانبين ، بل سبقها نماذج عديدة و متنوعة تظهر حجم التقارب بين حركة حماس و إيران ، كان آخرها الزيارة التي قام بها وفد حماس إلى العاصمة الإيرانية طهران ، برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري ، و لقاءه بشخصيات إيرانية رفيعة المستوى ، و المقابلات الصحفية المتعددة التي أجرتها وسائل الإعلام معه ، من أجل تسليط الضوء على هذه الزيارة التي أثارت تساؤلات عديدة ..

نعم ، ربما كانت تصريحات يحيى السنوار قد أخطأت التوقيت ، أو ليست في زمانها الصحيح ، و ذلك بعد دخول المنطقة في أتّون النزاع الشيعي السنّي ، و وصول هذا النزاع إلى درجة الغليان الشديد ، إثرَ تدخّل قاسم سليماني بشكل مباشر في الحرب السورية ، و توجيه أصابع الاتهام له بالضلوع في جرائم حرب في سورية و العراق و اليمن ، و ذلك بعد ظهوره الشخصي في عدة مناطق منها ..

لكنّ السؤال المطروح الذي لم يجد أصحابه جواباً حتى اللحظة هو : لماذا حرامٌ على يحيى السنوار و حركة حماس امتداح شخصية إيرانية ، و مدّ جسور التقارب بين حماس و إيران ، بينما يحلّ لدول إقليمية كبرى في المنطقة أن تقيم أفضل العلاقات مع طهران على كافة الصّعُد ، لا سيما على الصعيد السياسي و العسكري و الاقتصادي ؟ ألم يكن هناك سبّاقون كُثر ليحيى السنوار ، في تقاربهم مع إيران ، لكنهم لم يواجهوا النقد ذاته ؟ ألم يُقْسِم وزير الدولة القطري سلطان المريخي بالله ، أنّ إيران دولة شريفة ، و أنّه من حقّ بلاده إقامة أطيب العلاقات معها في ظل الحصار المفروض على قطر من قبل أشقّائها الخليجيين ؟

أيّهما أشد فتكاً ، حصار قطر  كدولة ، أم حصار غزة كقطاع ؟

و لو تتبّعنا آثار التقارب القطري الإيراني لوجدنا أنّ الأوضاع تسير على مايُرام بين البلدين ، و ذلك بعد أن بلغت قيمة الصادرات الإيرانية إلى دولة قطر 140 مليون دولار خلال سبعة أشهر فقط ، و بعد أن أعلنت كبرى الشركات الإيرانية عزمها دخول السوق القطرية ، ما يبشّر بدخول العلاقات القطرية الإيرانية مرحلة الازدهار و الرقيّ الواضح .

و ليست قطر هي الدولة الإقليمية الوحيدة في المنطقة التي تقيم علاقات طيّبة مع إيران ، بل إنّ تركيا أيضاً تُعتبَر  من الدول التي لها مع إيران قنوات اتصال سياسي و اقتصادي ، بالإضافة إلى حجم التبادل التجاري بين البلدين و الذي يزيد شهرياً بنسبة 30% حسب قول وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي ، و هناك مساعٍ تركيّة لمضاعفة حجم هذا التبادل ثلاث مرات ، أضف إلى ذلك الزيارات المتبادلة التي يقوم بها مسؤولو البلدين على مستوى رفيع ، بل إننا نزيد من الشعر بيتاً لنقول أنّ هناك تعاوناً عسكرياً واضح المعالم بين إيران و تركيا في العراق ، ضد بعض التنظيمات الكردية التي تهدد أمن البلدين الجارين ، و قد سمعنا مؤخراً تصريحات لمسؤولين أتراك أكدوا أنّ إيران دولة إقليمية لها وجودها ولا بد من التعاون معها ، فإذا كانت تركيا و هي دولة عظمى في المنطقة ، لم تنكر الوجود الإيراني ولم تستغنِ عن الدور الإيراني ، فلماذا يُطلب من حركة حماس أن تتخلى عن إيران و أن تعاديها و أن تظهر لها الكره و البغض ، في حين أن حركة حماس كانت على علاقة متوترة مع طهران في فترة من الفترات ، مع دخول الحرب السورية مرحلة السلاح الثقيل ، فكان موقف حماس واضحاً رافضاً لاستمرار تدفق شلال الدم السوري ، و تقاربت مع بعض الأشقاء الخليجيين ، و حاولت الاستغناء عن طهران ، لكنّ هاتيك الدول لم تكن على قدر الظرف الحمساوي العصيب الذي تحمّل عبئاً ثقيلاً ، إثرَ اشتداد الحصار المفروض على قطاع غزة ، و تعالي الأصوات المطالبة برفعه مهما كان الثمن المترتب على حماس ، و تصنيف حركة حماس على أنها منظمة إرهابية و ليست حركة مقاومة إسلامية .. و بالتالي وجدت حركة حماس نفسها مضطرة أن تحذو حذو الدول الإقليمية التي تقاربت مع طهران تقارباً ملحوظاً ، دون إنكار الدور السلبي الذي تلعبه طهران في المنطقة ، فكانت سياسة حماس بأننا نتفق مع طهران في عدد من الملفات و نختلف معها في ملفات أخرى كذلك ، حالنا هو حال كبرى الدول المساندة للمعارضة السورية المسلحة تركيا و قطر ..

لذلك على أحرار العالم أن يكونوا مُنصفين إلى حدّ بعيد في مطالبتهم قطع العلاقات مع إيران ، إمّا أنْ تُصَوَّب الحناجر المطالبة بذلك نحو الجميع دون تحيّز أو مراوغة ، و إمّا أن نترك حركة حماس تصنع علاقاتها مع من تريد ، بما يناسب مصلحتها الشخصية ، كأيّةِ دولةٍ من هذه الدول ..

بقلم/ عبد السلام فايز