مع نهاية العام 2017 تكمل حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " ( 53 عاما ) من عمرها النضالي , ورغم أنها تجاوزت الخمسين عاما على انطلاقة المارد الفتحاوي , وتدخل مع بداية العام 2018 , عامها الرابع والخمسين , فإن فتح تكبر ولكن لا تشيخ , وتقود النضال الفلسطيني , رغم المؤامرات ورغم العثرات والمتغيرات .. أربع وخمسون شمعة تضئ درب الشعب على طريق الحرية والانعتاق .. أربع وخمسون وردة تزين مع بداية العام الجديد قبر وضريح المعلم والمؤسس والرمز القائد ياسر عرفات , على بعد كيلو مترات قليلة من القدس , ولا زال صوت أبو عمار يجلجل في المكان " على القدس رايحين شهداء بالملايين " .. ثلاث وخمسون سنة مضت والعهد هو العهد والقسم هو القسم .. ثلاث وخمسون سنة مرت وحلم الاستقلال وقيام الدولة العتيدة وعاصمتها الأبدية القدس الشريف هو الهدف الذي عنه لا تحيد .
وعلى الرغم من مضي هذه السنوات على انطلاقتها المباركة والعملاقة , منذ أن أعلنت حركة فتح في الفاتح من يناير من العام 1965 , اندلاع الثورة الفلسطينية المسلحة , وهي سنوات طويلة في عمر الثورات , لكنها ليست طويلة في عمر الشعوب المناضلة , التي تتوق للتحرر والانعتاق , خاصة في ظل الاستعمار الكولونيالي الاستيطاني الإحلالي , مثلما تعيش العديد من الشعوب الحرة اليوم , أمثال الجزائر وجنوب إفريقيا, التي خضعت للاحتلال والاستيطان مئات السنين .
ثلاثة وخمسون عاما هي سنوات تحسب في حياة الإنسان , بالوصول إلى عمر يصبح فيه الإنسان شيخاً وجداً , غير أن فتح رغم هذا العمر في مقارعة العدو والأنواء والمؤامرات , لم تعجز ولن تشيخ , فهي " أم الولد " ومازالت أما وأبا لكل من تلاها من الفصائل والحركات والأحزاب , وما زالت يافعة تضج بالشباب في كل مكان , وهي تقود الانتفاضات المتتالية , في قواعدها التنظيمية , وفي الجامعات , وفي كل المؤسسات والنقابات , والمنظمات الشعبية , بثورة شعبية متواصلة .
فتح العصيبة على الانكسار.. فتح الأبية الرافضة لكل شروط التراجع والانهيار , لازالت تحمل راية الثورة والانتصار , رغم كل ما واجهها من محطات منذ انطلاقتا , لأنها حملت راية القرار الوطني المستقل , رغم محاولات الاحتواء العربي سابقا, وبعد ذلك في مواجهة ما يسمى بالإسلام السياسي , والمتاجرين بالدم الفلسطيني , الذين يحاولون خطف القضية الفلسطينية بشعاراتهم الدينية .
لقد عبرت " فتح " كل المطبات والمؤامرات بقوة وثبات , فمن أيلول ومحطته السوداء في الأردن, إلى معارك الصمود في لبنان من " فتح لاند " في الجنوب من عام 1972 إلى عام 1978 , , إلى حرب لبنان الكبرى ومجازر صبرا وشاتيلا عام 1982 , وما بينهما من محاولات التصفية والاحتواء من الأشقاء في الحرب الأهلية في لبنان , تقارع العدو وتتصدى لمؤامرات الشقيق والصديق , وما حدث بعد ذلك من اقتحام المخيمات في بيروت , إلى الانشقاق في مخيمات طرابلس في نهر البارد والبداوي عام 1983, ظل القائد الصامد ياسر عرفات , يحث الخطى للعودة إلى أرض الوطن , رغم تشتت الثورة في كل مكان , كان رد القائد الواثق , على كل من سأله إلى أين نحن ذاهبون ؟ فيكون الرد إلى الوطن .. إلى أرض فلسطين عائدون , وأوفى القائد بالوعد والعهد , وعاد ليقارع العدو من داخل الوطن , وهو الذي هاجمه الأشقاء والأصدقاء , واتهموه بالتفريط والتنازل , فكان يرد القول الفصل , أعطوني شبرا من فلسطين كي أعيد لكم الأمل في تحرير باقي الوطن.. وصمد القائد ومن معه من فرسان الفتح , على الرغم من جور الأعداء , وعداوة الأشقاء , الذين تحالفوا دون اتفاق , على تدمير ما أنجزه أبو عمار بعد كل اتفاق , وكانت الانتفاضة الثانية التي أطلقتها فتح حماية للأقصى والقدس , بعد أن دنسها مجرم صبرا وشاتيلا , أرئيل شارون المقبور , وكان القتل والتدمير , والحصار والدمار, في مواجهة حامل راية النصر والتحرير , وحوصر أبو عمار في مقاطعة العز والفخار , إلى أن طالته يد الغدر الحقير , بوصول السم إلى دم القائد المغوار , الذي لم يخش يوما آلة الاحتلال والدمار , وبقيت أيها الفلسطيني وحدك تقارع الاحتلال في كل الديار.. ورغم الفاجعة التي ألمت بأبناء الفتح , ورغم الصدمة الكبرى التي أعجزت البعض عن التفكير , بعد غياب قائدها المغوار, انتفضت الفتح من جديد , وعادت بكل عزم من جديد , بقيادة خليفة أبو عمار , الأخ الرئيس أبو مازن , الذي يقود السفينة اليوم رغم الموج العالي وشدة الأنواء .
وها هي انتفاضة القدس الجديدة في أعقاب قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال , ورفض القيادة الوطنية لشعبنا الفلسطيني بقيادة قائد فتح الرئيس محمود عباس للقرار الاميركي , حيث تفجر الغضب الفلسطيني , من أبناء فلسطين الأوفياء تقودهم طلائع فتح , لتعيد أمجاد الزمن التليد , وتصنع الفجر الجديد , وقررت فتح الاستمرار بإرادة لا تلين في التصدي والتحدي للاحتلال ومن خلفة أكبر دولة في العالم بقيادة المعتوه ترامب , من أجل القدس والقضية وحق العودة لشعب فلسطين , فلا تقاعس ولا تراجع عن الهدف الوحيد , ففلسطين أولا .. وأخيرا فلسطين , وكما قالها القائد الشهيد أبو علي إياد " نموت واقفين ولن نركع " , ورفعها مدوية القائد الرمز أبو عمار " لن أكون أسيرا أو طريدا , بل شهيدا .. شهيدا .. شهيدا " , هكذا علمنا قادتنا العظام , أن مهر فلسطين لا يكون بغير الدماء , ومقارعة الأعداء , فهذا قدرنا في فتح أن نكون في مقدمة الشهداء , وليس كمن يقاتل للمصالح الحزبية والشخصية وإقامة الاستعراضات والمهرجانات , ولذلك قررت فتح عدم إقامة احتفال أو مهرجان في ذكرى الانطلاقة هذا العام, فالوقت ليس وقت احتفالات ومهرجانات , بل هو وقت المواجهات والتصدي للمؤامرات .
في الذكرى الرابعة والخمسين للانطلاقة , يواصل أبناء الفتح المشوار , بالمضي في طريق المصالحة وانهاء الانقلاب والانقسام , وعودة اللحمة والوحدة الوطنية , وهو الطريق الوحيد الذي تراه " فتح" أنه طريق التصدي للأعداء وتحقيق النصر, فيما يرى الاخرون المصالحة على أنها رواتب ومشكلة موظفين.
د. عبد القادر فارس