القيادة مسؤولية وفي حالة كالحالة الفلسطينية حيث كل فلسطين خاضعة للاحتلال فإن القيادة مسؤولية ومهمة نضالية ،لذا فإن الشعب عندما تتأزم وتتفاقم المشاكل وتتعاظم التحديات يتطلع للقيادة المُنتخبة ويراهن عليها دون غيرها حتى وإن لم تكن القيادة مسئولة مسؤولية مباشرة عن تردي الأوضاع .
سيادة الرئيس أبو مازن
نفهم جيدا أنكم استلمتم تركة ثقيلة وأن المؤامرات والدسائس على شخصكم ونهجكم لم تتوقف ،لا من الأقربين ولا من الأعداء ،ولكن سيادة الرئيس ،أنتم محل رهان الشعب .الشعب لم يعد يراهن اليوم سيادة الرئيس على الأخ العربي أو الإسلامي أو الحليف الأممي ،بل يراهن على حكمتكم وعلى المؤسسات الرسمية الشرعية التي تترأسونها ،ولا نعتقد سيادة الرئيس أنكم ستقولون ما قاله ملك فرنسا لويس الخامس عشر "فليأت من بعدي الطوفان " .
سيادة الرئيس أبو مازن
أما وقد بلغ السيل الزبى ،وحتى لا يكون من بعدكم الطوفان الذي سيؤدي بمجمل القضية الوطنية وليس بالسلطة وبرئاستكم فقط ،وحتى لا تكونوا شاهد زور على عملية تصفية القضية بل قد يحَمِلكم البعض مسؤولية ضياع القضية ،فإن كل يوم يمر على غياب مقاومة فاعلة لممارسات الاحتلال وعلى تراجع فرص السلام العادل وعلى الانقسام ،يُحسَب عليكم وليس لكم ،ويستنزف رصيدكم الوطني ويعظِم من رصيد خصومكم المتربصين . الشعب يصبر سيادة الرئيس ،صبر الخائف من الفتنة الداخلية وتوظيف إسرائيل لها ،أو خوفا من قطع راتبه ومصدر رزقه ، أو الخوف من أن يكون بعدكم الطوفان ،ولكن للصبر حدود .
فماذا تنتظرون سيادة الرئيس
والرئيس الأمريكي ترامب يعلنها صراحة بأن القدس عاصمة لإسرائيل اليهودية ويضرب بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية والأسس التي قامت عليها عملية التسوية السياسية ؟ وقد لمستم سيادة الرئيس حدود ردود الفعل العربية والإسلامية والدولية ؟ .
ماذا تنتظرون سيادة الرئيس
بعد أن أنكشف مستور التسوية السياسية الأمريكية والمراهنة على المفاوضات وقد مر ربع قرن على توقيعكم لاتفاق أوسلو الذي أنتم أهم مهندسيه وأصحاب فكرته والمدافعون عنه ، وإسرائيل تأخذ من الاتفاق ما يتناسب ومصالحها ،فيما الفلسطينيون عاجزون عن الاستفادة حتى بالقليل الذي يمنحهم إياه الاتفاق ؟ .
ماذا تنتظرون سيادة الرئيس
ومعادلة جديدة تتشكل في المنطقة يتم فيها خلط الاوراق وتتحول إسرائيل من عدو إلى صديق ،ويتم تجاهل القضية الفلسطينية بل استعداد دول عربية في هذه المعادلة للمساومة على القضية الفلسطينية مقابل الحفاظ على كراسي حكمهم ؟.
ماذا تنتظرون سيادة الرئيس
وقد خرجت غزة من تحت إيالتكم وبات القريب والبعيد يلعب في غزة ويُحدد مصيرها بالتنسيق مع إسرائيل وكأن قطاع غزة ليس جزءا من سلطتكم وشعبها ليس جزءا من الشعب الفلسطيني الذي أنتم رئيسه ؟ وإسرائيل تقضم أراضي الضفة الغربية بالاستيطان والتهويد ، والقرارات المتولية والسرعة من الحكومة الإسرائيلية وفي الكنيست تنذر بالأسوأ ؟.
ماذا تنتظرون سيادة الرئيس
لاستنهاض حركة فتح العمود الفقري للمشروع الوطني بل حاملة هذا المشروع ،وقد أصبح أبناؤها المناضلون يعيشون حالة تيه وقلق وخصوصا بعد تحويل حركة فتح من حركة تحرر لحزب سلطة دون سلطة بل لشاهد زور على كل ما يجري بعد إقصائهم من دائرة التأثير السياسي لتحل محلهم نخبة من خارج المدرسة الوطنية ومن أصحاب المصالح الخاصة ؟ .
ماذا تنتظرون سيادة الرئيس
لإخراج منظمة التحرير من حالة الموت السريري ،والمنظمة عنوان الشعب الفلسطيني وبيته المعنوي ،وضمان استمرار النظام السياسي والقضية الوطنية إلى حين قيام الدولة ؟ .
ماذا تنتظرون سيادة الرئيس
وقد أصبحت السلطة الوطنية التي أردتموها نواة مشروع الدولة ورمز الاستقلال لعنة ،حيث تتقاتل النخب السياسية من أجلها أكثر من نضالها في مواجهة الاحتلال ،وتفقد مع مرور الأيام دورها الوطني وتتحول إلى (سلطة بدون سلطة) على حد قولكم ،ولمجرد أجهزة ومؤسسات تستجدي لتقديم رواتب لموظفيها أو مُكرهة على التنسيق مع الاحتلال بما يضمن أمن الاحتلال أكثر مما يضمن أمن الوطن والمواطنين ؟
ماذا تنتظرون سيادة الرئيس
وقد فقدت كل المؤسسات القائمة شرعيتها الدستورية لعدم تجديد شرعيتها لا من خلال الانتخابات ولا من خلال التوافق الوطني ، والتاريخ وطول العمر الوظيفي لا يمنحا شرعية سياسية لأشخاص أو مؤسسات ؟.
ماذا تنتظرون سيادة الرئيس
ونخبة سياسية اقتصادية تتسلل لمراكز القرار وتتقرب منكم وتحسِب نفسها عليكم ،وبدلا من أن تكون أداتكم في خدمة رؤيتكم الوطنية أصبحت توظف قربها منكم لخدمة مصالحها الخاصة ولإطالة عمرها الوظيفي ،وبعض عناصر هذه النخبة يوظف وجودكم وأسمكم ليخوضوا معركة مبكرة ضد خصوم ينافسوهم على قيادة السلطة والمنظمة من بعدكم ،معركة بلا برامج أو رؤى وطنية وبدون أخلاق وتعزز الانقسام والكراهية .
ماذا تنتظرون سيادة الرئيس
والفقر ينتشر والبطالة تتزايد والفوضى تعم مناطق السلطة التي انقسمت إلى سلطتين والشعب إلى شعبين ،وانتشرت النزعات والانتماءات المُهددة للهوية الوطنية ووحدة الشعب ، وشعب الجبارين يتحول لشعب المتسولين والضائعين ،وتُمتهن كرامته من الاحتلال وعلى المعابر وفي بلاد الغربة ؟
ماذا تنتظرون سيادة الرئيس
وشباب فلسطين يصطفون أمام القنصليات والسفارات ويتوسلون كل وسيلة للهروب من الوطن والبحث عن إقامة ولو في أقاصي الأرض ،أو تحت الارض ؟ . والراتب الذي يُفترض أنه يعزز صمود المواطنين أصبح لعنة تكمم الأفواه وتعزز ثقافة النفاق والمداراة ؟ .
سيادة الرئيس
مع كامل التقدير والاحترام لشخصكم ولجهودكم على المستوى الدولي ، إلا أن كل ما تنالونه من حسن استقبال في الدول الأجنبية وتربعكم على عرش كل الرئاسات وحديثكم عن التمسك بالثوابت ، كل ذلك لا يُغني أو يشكل بديلا عن الإنجاز الملموس على أرض الواقع : مواجهة الاستيطان ، إنهاء الانقسام ،ومواجهة قرار ترامب وما سيترتب عليه وما سيتبعه من قرارات شبيهة ،وتمكين الشعب من مقومات الصمود .
سيادة الرئيس
إن كل الانجازات في الأمم المتحدة لن يكون لها قيمة إن لم تتجسد وقائع تنهي الاحتلال ، كما لن يكون لها قيمة إن خسرتم شعبكم ، والشعب الفلسطيني سيادة الرئيس شعب عريق وحساس تجاه قضاياه الوطنية ويتطلع لأن يكون الرئيس قريبا منه لا متعاليا عليه . الشعب سيدي الرئيس انتخبكم ليس لملء فراغ غياب أبو عمار فقط بل لتكونوا المُخَلِص له من الاحتلال ولتقودوه نحو الحرية والدولة المستقلة ، والشعب ما زال يراهن عليكم ولن يخذلكم .
سيادة الرئيس
استمرار حالة ألا حرب وألا سلم أو ألا ثورة وألا دولة لا تعمل لصالح الشعب الفلسطيني بل تخدم إسرائيل ، لذا نتمنى سيادة الرئيس أن تأخذوا قراراكم إما ثورة وانتفاضة أو إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل أراضي الضفة وغزة والقدس عاصمة لها وليتحمل الجميع مسؤولياته.
بقلم/ د. إبراهيم أبراش