دموعٌ في عيون حائرة، وقلوبٌ مضطربة، وعقول شتتها الظرف والحال، فالكل في قطاع غزة بات يئن من وقع الحصار وآثار العدوان ولا حل في الأفق والأوضاع الإنسانية تتجه لمزيد من السوء والتدهور.
إن كنت في سيارة وتستمع إلى برنامج صباحي لن يمضي وقتٌ حتى تستمع لمناشدات عبر الأثير لبيوت نفذ منها الطعام أو رب أسرة مريض يعيش وباقي أفراد أسرته الصغار فيما يُشبه الغرفة وقد داهمتهم مياه الأمطار ونهش البرد جسد الصغار.
وإن كنت تُطالع وسائل التواصل الاجتماعي ستتوقف أمام غزارة المناشدات فهذا يحتاج الإيجار وبات مطروداً من منزله وذاك يُطالب بالتكفل بتغطية تكاليف العلاج، أو سدّ رمق أطفاله.
لم يعد الأمر محصوراً بفئة أو شريحة من المجتمع فقد بات الموظف بنفس حال غير العامل وتساوت الرتب في الحاجة والفقر، ولم يعد أحد بمنأى عن الإصابة بآثار الحرب الاقتصادية التي تُشن على غزة، عبر الخطوات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية ضد غزة، واستمرار إغلاق المعابر، ومحاربة المؤسسات الإنسانية والتي كان آخرها قرار الولايات المتحدة الأمريكية بوقف مخصصات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وتوقف دول عن دعم قطاع غزة بسبب مخاوف من الاتهام بمزاعم دعم الإرهاب.
لم يعد الحديث بالأرقام والإحصائيات أمام واقع المأساة الذي يعمّ قطاع غزة مجدياً، ولم تكن الأوضاع بهذا الوضوح كما هي الآن، الحديث عن دراسة الاحتياج والواقع وتحديث الأرقام بات ترفاً في ظل الحاجة للتدخل.
غزة الآ ن تحتاج رفع الحصار وتدفق الأموال، تحتاج من يقف معها دون قيد أو شرط، ليس لدى غزة ترف الوقت لتفكر وتفاضل بين مشروع وآخر فالحاجة قد عمّت والعجز في كافة مناحي الحياة موجود.
من الطرد الغذائي الذي يُعين على سد رمق الاحتياج، إلى ترميم البيت والتكفل بالتعليم والعلاج مرورا بدعم القطاعات الخدمية والمشروعات الاقتصادية كل ما سبق مطلوب لانتشال القطاع مما هو فيه.
كانت الأمم المتحدة قد حذرت بأن قطاع غزة لن يكون قابل للحياة في عام 2020 وأعلن الأورومتوسطي بأن قطاع غزة الآن لم يعد قابل للحياة، التحدي الحقيقي أمام الجميع كيف نُعيد الحياة لقطاع غزة، علينا جميعاً أن نتحمل مسؤوليتنا تُجاه القطاع، وأن يُصب الجهد باتجاه انقاذ الأوضاع الإنسانية وتحسين أوضاع الناس.
يجب على الفصائل الفلسطينية الاهتمام بالحاضنة الشعبية وتثبيت الناس، وهو مقدم الآن على الإعداد والتجهيز، فلا قيمة للإعداد إن لم يتم تحصين الحاضنة الشعبية التي ستوفر الغطاء وتحمي ظهر المقاومة في حال أي عدوان، أعلم أن الموازنة العسكرية المخصصة تختلف مصادرها وآليات جمعها عن أوجه الإنفاق الإنساني ولكن ما يحدث في قطاع غزة من استهداف للحاضنة الشعبية يفرض على المقاومة أن تُقدم الحفاظ على الحاضنة على التسليح والاعداد ويفرض تفكيرا مغايراً للعادة وسلوكا غير معتاد.
وعلى مؤسسات المجتمع المدني أن تقف ضد محاولات بعض المؤسسات إنفاق أموال قادمة باسم الشعب الفلسطيني على برامج ترف فكري وعدم احتياج حقيقي كما حدث أخيراً في اجتماع بعض المؤسسات مع مؤسسة دولية كانت تريد تنفيذ مشروعات تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة والجندر وخلافه من المواضيع التي تستنفذ أموال قادمة باسم الشعب الفلسطيني في غير محلها.
ويجب وقف بناء المساجد والبهرجة والتكلف في تزينها، ووقف الاهتمام بتشييد الأبنية الإدارية للمؤسسات الأهلية وتوجيه الدعم القادم لصالح المشروعات الملحة والحاجة اليومية للسكان.
إن الأوضاع الإنسانية تتطلب أيضاً أن تُنهي السلطة الفلسطينية مهزلة العقوبات وترفع يدها عن المؤسسات التي تنوي تقديم الخدمات للشعب الفلسطيني وعدم ابتزازها بالمحاصصة وملاحقتها تحت بند تعزيز الانقسام.
تحقيق مبدأ العدل لا المساواة بين المواطنين يجب أن يكون شعار المرحلة، التكافل والتضامن بين كل مختلف فئات وشرائح المجتمع مطلوبة، قطاع غزة ككل مستهدف وعلى جميع أفراده التكاتف ووضع المناكفات السياسية جانباً فنحن شعب واحد يطمح للحرية وما نمر به نستطيع تجاوزه بوحدتنا وتطبيق قيمنا ومبادئنا، الحصار ينال من الجميع لذلك يجب أن يكون التصدي له جماعياً.
إن غزة تضمد جراحها وتعض على آلامها إلا أنها لن تبقى دون فعل تتلقى الضربات وتصبر، استمرار الأوضاع على ما هي عليه الآن سيصل بنا للانفجار فلن تنزلق غزة إلى الهاوية إذا استمر الدفع بها وستخرج الأوضاع عن السيطرة، انفجار لن يكون في مصلحة أحد ولا حتى المحاصرين لغزة، ، ظروف غزة أصعب من الأيام التي سبقت هدم الجدار بين حدود مصر وغزة وتدفق الفلسطينيون باتجاه شراء احتياجاتهم من العريش، ومشابهة للظروف التي سبقت عدوان 2012 و 2014، إن انهيار غزة سيتسبب في فوضى في عموم المنطقة وقد ندفع جميعا الثمن باهظاً آن أوان التحرك حتى لا نصل لمرحلة فات الآوان.
بقلم: محمد يوسف حسنة