عدوك مرتاح لخطواتك ، أنت تسير في الاتجاه الخاطئ ... وعدوك يتأمر عليك ، أنت تسير في الاتجاه الصحيح . هذه هي حال الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ انتصار ثورتها الإسلامية بقيادة الإمام الراحل الخميني في العام 1979 ، فشنت على الثورة الفتية حرب ظالمة استمرت لسنوات ثمانية ، والهدف آنذاك إسقاطها رداً على تبنيها القضية الفلسطينية ، ومناصبتها العداء للكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية وحلفائها الرجعيين في المنطقة .
وعلى مدار عقود انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتمكنها من بناء دولة عصرية وقوية بالمعنى السياسي والاقتصادي والعسكري والتكنولوجي ... دولة أرست قواعد تحكمها المبادئ في تعاملها وتعاطيها مع قضايا الشعوب المظلومة وفي مقدمتم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ... دولة أمنت بنصرة الشعوب في كفاحها ومقاومتها لنيل حقوقها وتحقيق أهدافها في مواجهة قوى الاستكبار والاحتلال والظلم ... دولة يحسب لها ألف حساب على المستويين الإقليمي والدولي ، جعلها على الدوام في دائرة الاستهداف من قبل الدوائر الامبريالية والصهيونية والرجعية ، الذين عملوا ما في وسعهم للحد من تطلعاتها وطموحاتها التي جاءت من خارج سياقات تطويعها وجعلها امتداد لحقبة سوداء عاشتها إيران خلال حكم الشاهنشاهية من فساد ونهب وظلم وطغيان واستبداد بحق الشعب الإيراني الشقيق ، وعمالة وتبعية للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من صهاينة ورجعيين .
ما شهدته إيران خلال الأيام الماضية من مظاهرات مأجورة في سوادها الأعظم والأعم ، كان طابعها التخريب وبث الفتنة لصالح أجندات أعداء الجمهورية الإسلامية وثورتها العظيمة ، وإن تم تغليفها بمطالب اقتصادية واجتماعية سرعان ما تكشفت أبعادها وأهدافها ، وهي أبعد بكثير من أن تكون مطالب محقة وعادلة ، لتتعداها إلى الهدف الأوحد لدى المحرضين والمشغلين والأدوات ، في إسقاط إيران الثورة والدولة الإسلامية الرائدة . وأتت في سياق السلسلة الطويلة من التآمر على إيران وشعبها العظيم ومنجزاته ومكتسباته وتطلعاته .
القيادة الإيرانية خبرت بحكمة مرشد ثورتها الإمام السيد على الخامنئي ومنذ أمد أن أعداء إيران يحضرون أنفسهم عبر أدواتهم المأجورة للانقضاض على ما حققته من تقدم ورقي وازدهار ، وبالتالي كانت المحاولات البائسة في بث روح الفرقة والفتنة المذهبية التي ضخوا ووظفوا لها الكثير من الإمكانيات والوسائل لتشكل المقدمات نحو الهجوم الأوسع والأخطر على إيران . لذلك كانت القيادة الإيرانية ومرشد ثورتها يحذرون على الدوام من مكر وخبث وتأمر حلف الشيطان الأمريكي ، ويدعون إلى اليقظة والحذر والاستعداد الدائم من أجل المواجهة والتصدي لما تخطط وتعمل عليه قوى الاستكبار والشر والطغيان .
وفق برنامجهم فإن إيران هي الدولة التي ستلي سورية بعد إسقاطها حسب مخططهم ، لكن الفشل الذريع في إسقاط الدولة السورية بفضل صمود رئيسها الدكتور بشار الأسد وشعبها وجيشها ، ووقوف الحلفاء في إيران وروسيا وحزب الله وقوى فلسطينية إلى جانبها ، تم كسر الحلقة الإستراتيجية في مخطط تقسيم المنطقة على أساس مذهبي وطائفي وعرقي واثني . واندفاع ذاك الحلف اليوم بعد موجة طويلة من التهديدات والتصريحات والاجتماعات واللقاءات في أكثر من عاصمة ، كانت الرياض محطتها الرئيسية ، عندما رعى الرئيس الأمريكي ترامب في أيار 2017 القمة الأضخم عربياً وإسلامياً ، الذي وصفه ترامب أنه التجمع التاريخي وغير المسبوق للقادة ، و الفريد من نوعه في تاريخ الأمم . وفي تلك القمة لم يكن خافياً الهجوم والتحريض الذي شنه ترامب على إيران : " لن يكون هناك نقاش حول القضاء على هذا التهديد بالكامل ، دون الإشارة إلى الحكومة التي تعطي الإرهابيين الملاذ الآمن ، والدعم المالي ، والمكانة الاجتماعية اللازمة للتجنيد . إنه نظام مسؤول عن عدم الاستقرار في المنطقة . أنا أتكلم عن إيران " ، ومضيفاً " إنها حكومة تتحدث صراحة عن القتل الجماعي ، وتتعهد بتدمير إسرائيل والموت لأمريكا ، والخراب لكثير من القادة والأمم في هذه القاعة " ، وتابع ترامب تحريضه البائس للشعب الإيراني في قوله " إنّ أكبر ضحايا النظام الإيراني هو شعبه . لدى إيران تاريخ وثقافة غنية ، ولكن الشعب الإيراني عانى من المشقة واليأس في ظل سعي قادته بتهور للصراع والإرهاب " . وختم في قوله : " يجب على جميع الدول أن تعمل معاً لعزل إيران ، ومنعها من تمويل الإرهاب ، وأن تدعو أن يأتي اليوم الذي يتمتع فيه الشعب الإيراني بالحكومة العادلة الصالحة التي يستحقها. لذلك فإن للقرارات التي سنتخذها الأثر الكبير على حياة أعداد لا حصر لها " . وفي أيار من العام الماضي 2017 صرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وفي مقابلة حصرية مع قناة الإخبارية السعودية بالقول : " لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية بل سنعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران وليس في السعودية " .
الاحتجاجات المعد لها سابقاً جاءت متزامنة مع جملة من التطورات شهدتها المنطقة في كل من العراق وسوريا واليمن حيث قوى العدوان والتآمر والتحريض على التخريب والتدمير ونشر الإرهاب فشلت في إسقاط العراق وسوريا ، وعدوان التحالف السعودي يغرق في الوحول اليمنية نتيجة الصمود الذي يبديه الشعب اليمني رغم المجاعة والأمراض والقتل والمجازر ، ولكن الأبرز أن تلك الاحتجاجات جاءت تغطية لقرار الرئيس ترامب في الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ، مقدمة من أجل تمرير صفقة القرن التي تتكشف فصولها يومياً ، والهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية . ليأتي التحرك الإيراني الداعم والمساند لقوى المقاومة الفلسطينية اللامحدود ، وذلك عبر الاتصالات الهاتفية التي أجراها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني مع قيادتي كتائب القسام وسرايا القدس ، الأمر الذي أرعب وأربك الكيان الصهيوني وقادته .
اعتقدت الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو والقيادة السعودية ، أن أحداث الشغب وتدحرجها في إيران من شأنه يشاغل القيادة الإيرانية ويدفعها إلى الاستدارة نحو الداخل الإيراني لمواجهة الأحداث وتطوراتها مما يتيح لأمريكا وحلفائها المضي في برنامج تصفية القضية الفلسطينية ، وفتح أبواب التطبيع على أوسعها مع الكيان الصهيوني . ولكن تمكن القيادة الإيرانية من إخماد نار الفتنة والتخريب قد قطع في الطريق أمام من طبل وهلل لما شهدته إيران من حوادث شغب من أن يحقق أمانيه فخاب ظنهم . وها هي إيران على لسان جميع قياداتها ومستوياتهم وفي مقدمتهم مرشد الثورة السيد علي الخامنئي يؤكدون المؤكد في البقاء على نهج الثورة وأهدافها ، وأنهم ما بدلوا ولن يبدلوا تبديلا .
رامز مصطفى
كاتب وباحث سياسي