بينما كان الشعب الفلسطيني ينتظر لم الشمل الفلسطيني , باستغلال فرصة انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني , بجميع فصائله وقواه الوطنية والاسلامية , في ظل ظروف داخلية بدأت تتقارب فيها حركتا فتح وحماس لإنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام البغيض – رغم بعض العراقيل - , وظروف خارجية باتت معقدة وصعبة على مجمل القضية , بعد اعلان الرئيس الاميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الاسرائيلي , وعزمه نقل السفارة الاميركية من تل أبيب إلى القدس , وما جرَّ بعد ذلك من تشجيع لحكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو , بقرارات ضم الضفة الغربية لدولة اسرائيل , وفرض عقوبة الاعدام على الاسرى من مرتكبي عمليات فدائية ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه , وهو ما أجج الشارع الفلسطيني بانتفاضة جديدة وحدت الشعب الفلسطيني في مواجهة أميركا واسرائيل , حيث تحققت أيضا بعض النتائج السياسية للتحرك الدبلوماسي الفلسطيني في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة , بتصويت مجلس الأمن بكافة أعضائه مقابل الصوت الأميركي ضد قرار الرئيس ترامب , ثم التصويت بغالبية الثلثين في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد القرار الأميركي , ثم اعلان الرئيس محمود عباس أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطا للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين , بعد الانحياز الفاضح لإدارة الرئيس ترامب إلى جانب دولة الاحتلال , ثم قرار القيادة الفلسطينية برفض استقبال نائب الرئيس الاميركي بينس الذي سيقوم بجولة في منطقة الشرق الأوسط للترويج لما تسميه الادارة الاميركية ( صفقة العصر ) والتي اعلنت القيادة الفلسطينية رفضها لها قبل أن تعرض رسميا , وذلك بعد المواقف الاميركية , وهو ما يؤكد أنها ستكون ( صفعة العصر ) لتصفية القضية الفلسطينية , وبذلك ردت القيادة الفلسطينية الصفعة لأصحابها.
وسط هذه الظروف والمؤشرات تداعت القيادة الفلسطينية , ممثلة باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير , والمجلس الوطني الفلسطيني , بطلب عقد المجلس المركزي الفلسطيني للتشاور ودراسة الأوضاع والخروج بنتائج تكون في مستوى تلك الأحداث , ووسط التفاؤل بانعقاد المجلس , بدعوة الفصيلين الاسلاميين ( حماس والجهاد) حتى يكتمل مشهد الوحدة الفلسطينية في اتخاذ القرارات المناسبة , جاء الرد السلبي أولا من حركة الجهاد الاسلامي بالاعتذار عن الحضور بحجة أن المجلس يعقد تحت ( حراب الاحتلال ) , بينما كانت تتجه الأنظار إلى موقف حركة حماس , والتي كان يعتقد الكثيرون أنها ستشارك بأعضاء لها في الضفة الغربية , جاء الرفض أيضا على لسان أكثر من مسؤول حمساوي , وكان الأكثر وضوحاً وتعقيداً على لسان رئيس المكتب السياسي للحركة اسماعيل هنية قبل 48 ساعة على موعد انعقاد المجلس المركزي , ليضع شرطا للمشاركة بانعقاد ( الاطار المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية ) الذي تم الاتفاق عليه في اتفاق المصالحة عام 2011 , لكنه لم ينعقد نظرا لظروف عدم انجاز المصالحة أصلا , ويبدو أن شرط هنية كان تعجيزيا , فلا يمكن عقد هكذا اجتماع على بعد ساعات قليلة من انعقاد المجلس المركزي , بينما كان القيادي الآخر في حركة حماس موسى أبو مرزوق أكثر وضوحا , حين قال إن حركته لن تشارك في اجتماع المركزي , لأنها تعلم مسبقا بالنتائج التي ستصدر عنه , ولا تريد حماس أن تكون مشاركة في تلك النتائج .
رفض الفصيلين الإسلاميين حماس والجهاد الاسلامي , يعيد الخارطة السياسية الفلسطينية , إلى الانقسام بما هو ( وطني واسلامي ) وإلى ما قبل اتفاق المصالحة الأخير , وإلى سنوات الانتفاضة الأولي بوجود إطارين قياديين للانتفاضة ( وطني) يتشكل من جميع فصائل منظمة التحرير, و( اسلامي ) تقوده حركة حماس , هذا الانقسام الذي تواصل منذ 11 عاما بعد الانقسام السياسي والجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية , الذي أحدثه انقلاب حركة حماس على الشرعية والسلطة الوطنية الفلسطينية في منتصف يونيو 2007 , والذي أضر بالقضية الفلسطينية , ومكن الاحتلال الإسرائيلي من الاستفراد بكل من جناحي الوطن , بالاستيطان الموسع في الضفة ومواصلة مشاريع تهويد القدس , والحروب المتتالية على قطاع غزة مما أدى به للوصول إلى الكارثة التي نعيش حاليا.
لقد جاء رفض حركتي حماس والجهاد الاسلامي مخيبا للآمال , التي كان ينعقد عليها الشارع الفلسطيني , باسترجاع اللحمة والوحدة الوطنية , والوقوف صفا واحدا في مواجهة أميركا واسرائيل , وتقوية وتحصين الجبهة الداخلية الفلسطينية , في مواجهة ما هو اصعب في قادم الأيام .. فما هي حسابات حماس والجهاد الغير معلومة حتى الآن , ولماذا فوتت الحركتان هذه الفرصة للم الشمل الفلسطيني , والمشاركة في القرار الفلسطيني الموحد , وما كنا نتمناه لشعبنا الفلسطيني الذي بدا يفقد الثقة في فصائله وقواه السياسية .
بقلم/ د. عبد القادر فارس