تتسارع الاجراءات الاسرائيلية لتنفيذ المخطط الكبير حسب ما يعتبره ترامب الصفقة الكبرى او الصفقة التاريخية والتي بموجبها يزعم انه يقدم حلا ابداعيا للقضية الفلسطينية معتمدا على رؤية فريقه اليهودي العقيدة واليميني المنهج وهو المخول بهندسة اطار سلام لحل الصراع في الشرق الاوسط , وما بات واضحا ان كل مقترحات ورؤية هذا الطاقم لن تقدم أي حلول تتناسب وطبيعة الصراع ولا حتى ترتقي لان تصبح خطة سلام حقيقية ومنطقية وعادلة ومبنية على اساس المرجعيات الدولية وقرارات الشرعية الدولية التي صدرت بهذا الخصوص وفي نفس تعيد المنطقة للأمن والاستقرار الافتراضي , ولعل ما تقدمت به هذه المجموعة التي كلفها ترامب للأعداد الخطة المطلوبة هي عبارة عن مخطط لتفكيك قضايا الصراع وتحييد القضايا الكبرى والتي لاحظنا وشاهدنا اولها عندما اقدم ترامب في السادس من شهر ديسمبر الماضي بالإعلان عن القدس عاصمة لدولة الكيان وكلف وزارة الخارجية الامريكية بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس وبالتالي فانه من الان فصاعدا لا يوجد على جدول اعمال البيت الابيض أي نوايا او برامج لإدراج قضية القدس على جدول أي مفاوضات مستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في اطار الحل النهائي للصراع .
اليوم وبعد ان صمت العرب على اعلان ترامب ولم يأتي منهم سوي مواصلة المشاورات والاجتماعات والقمم هنا وهناك التي لا ترتقي لمستوي الحدث وبعد تأكد ادارة البيت الابيض ان خطته في تفكيك وتحييد اهم قضايا الصراع بدأت تنجح بفعل انعدام ردود عربية تؤلم واشنطن وتتمثل بقطع العلاقات او حتى تخفيض التمثيل الدبلوماسي العربي في واشنطن او حتى التهديد بسحب الارصدة في بنوك امريكا او أي ردة فعل حقيقية يدوس فيها العرب على ذيل ترامب , باتت ادارة البيت الابيض تتمادي في اجراءاتها بحق القضية الفلسطينية والتي نقول انها من ضمن الخطة الكبرى والتي تبدأ بتفكيك القضايا الكبرى للصراع لتعلن الولايات المتحدة تقليص مخصصات وكالة وتشغيل اللاجئين والفلسطينيين وهذا تمثل في اجراء عملي على الارض بوقف مساعدات غذائية للفلسطينيين تقدر بقيمة 45 مليون دولار واغلاق مبلغ 65 مليون دولار كانت في طريقها لخزينة وكالة الغوث كأجراء اولي من مخطط لإنهاء دور الأونروا وانهاء وجودها لان وجودها يعني بقاء قضية اللاجئين الفلسطينيين حية ويقضي المخطط بتحويل مهامها لمفوضيات اخري وهذا يتطابق مع ما اعلن عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHER بانها اصدرت وثيقة خطيرة في ديسمبر الماضي تدعو فيها الى انهاء ولاية الأونروا وتحويل خدماتها ومهامها الى مفوضية اللاجئين بالأمم المتحدة بحجة ان الاونروا عاجزة عن تقديم الخدمات الانسانية والحماية للاجئين الفلسطينيين , وبهذا تكون الولايات المتحدة قد حققت لإسرائيل اسمي امانيها في اذالة المؤسسة الدولية التي تشهد على جريمة الاحتلال التاريخية وقد ضمنت انهاء عمل المؤسسة الدولية التي تشكلت بقرار دولي بعد حرب العام 1947 وتهجير مليون فلسطيني قسرا عن بيوتهم وقراهم ومزارعهم الى الضفة والقطاع والدول المجاورة .
ان تحييد قضيتي القدس واللاجئين واخراجهما من دائرة الصراع باعتبارهما من اههم قضايا الصراع واللتان تشكلان عمق الصراع وسرقة الارض وتشكلان العائق الكبير امام قيام اسرائيل الكبرى وتنفيذ المخططات الصهيونية يعني ان اسرائيل وواشنطن قد تمكنتا من تنفيذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية لصالح الاستعمار اليهودي في فلسطين واكملت وعد والتمكن من كل الاراضي الفلسطينية ومخططات مؤسسي الصهيونية السياسية الحديثة من امثال وثيودور هرتزل وموشية شاريت وبن غوريون وليفي اشكول وغولدامئير واخرون وما اصبح امام الادارة الأمريكية كراعية كقوة مركزية في العالم و وحيدة للعملية السياسة وكحليفة إسرائيل ان تقدم الحلول الابداعية لكيان فلسطيني يعتمد على اعادة صياغة جغرافية الصراع ويكون هذا الكيان على جزء من سيناء وبالتالي لا قدس ولا لاجئين ولا دولة كاملة السيادة اي لا مسؤولية امنية ولا وطنية ولا استقلال اقتصادي في المقابل تدقع الدول الراعية لعملية السلام وبالطبع العربية منها والتي تدور في فلك التحالف الأمريكي الإسرائيلي المبالغ الطائلة لتقديم الحلول العاجلة لكل اللازمات الاقتصادية التي عاشها الشعب الفلسطيني منذ النكبة وحتى الان .
هذه الخطة باتت معروفة ومكشوفة بعد ما اخذت اسرائيل تبني على قرار اعلان ترامب القدس عاصمة لهم وتسير في تنفيذ ذات المخطط بالتوازي مع الدعم السياسي والمالي والامني والاقتصادي الامريكي وهذا تمثل الان في تنفيذ سلطة الاحتلال خطة ضم ناعم لكل اراضي الضفة الغربية وعزلها عن اية حدود مع الاردن او القطاع وبالتالي اعلان سلطة الاحتلال بناء الالاف الوحدات الاستيطاني في مستوطنات الضفة الغربية وبعد مخطط تصفية قضية اللاجئين وانهائها وبعد كل المشاريع التي تقدم للكنيست الاسرائيلي يوميا لتطبيق المخطط الأمريكي على الارض فيما يخص القدس واللاجئين والحدود وبالتالي تصبح فلسطين لاوجود لها وانما دولة صغيرة مركزها غزة ترتبط مع العالم الخارجي عبر وسيط دولي ينفذ برامج اسرائيل للتحكم في كل ما يمكن الفلسطينيين من الاستقلال .
بقلم/ د.هاني العقاد