لكن أي ورق هو؟
ورق الكتابة؟ أم ورق الشجر الذي خبأنا عليه أسماءنا..
أم الورق الافتراضي الذي صار الأكثر وجودا..من خلال وسائل التواصل العصرية..
لماذا نلحّ كثيرا على الورق!
لندعه، في هيامه بها؛ ونزهد فيما يجده مغريا لتأكيد بقائه الهش والقلق!
نزرع، ونصنع، ونبيع ونشتري، ونجد متسعا من المكان لنمارس زمننا الخاص بما يليق بالورد..
وسنجد دوما ما نقدّمه للعالم غير الخراب؛ فالانتماء للبشرية لا يكون بورقة، وسيأتي يوم قريب لتعدد الشعوب اسهاماتها في الابداع والالتزام بالضمير الإنساني. وقتها سنأتي بعنبنا وزيتوننا، والصابون، ومأكولاتنا الشعبية، سنأتي بالأزياء، والشعر، والفن، وسنأتي بأبيض الأكف التي لم تسطو على أحد.
قبل 3 عقود، كانت فوازير رمضان النصف الثاني من العنوان؛ في التعبير عن الأوراق الثبوتية الرسمية، بدءا بشهادة الميلاد، وانتهاء بشهادة الوفاة. وليلة وراء ليلة، تابعنا نحن الفتية الأغاني والرقصات الدالة على الورقة الرسمية المعينة، في قالب كوميدي جذاب. لكنه كان قادرا على إثارة تفكيرنا ومشاعرنا، خصوصا على المستوى الشخصي، حيث كنا نتعب كثيرا في استصدار الأوراق الثبوتية وبطاقات الهوية وجوازات السفر..وهو ما عانى منه أبناء وبنات شعبنا. لذلك كنت أستعيض عن الجواز بكرنيه الجامعة، والذي عادة ما يكون خاصا بالسنة السابقة.
عشت خارج وطني شابا صغيرا، يبالغ بالاحتفاظ بأوراق كثيرة، خصوصا ما لها علاقة بالتنقل والسفر. وأذكر أن شرطيا سألني عن بطاقة الهوية، فأخرجت له بطاقة الجامعة، فابتسم قائلا يا ابني هذه تدخل بها الجامعة..
- أنت من أين؟
- فلسطين.
- أين جواز سفرك.
- في البيت.
- لماذا؟ عليك بحمله دائما..
- أخشى عليه الضياع، ووقتها سأجد صعوبة في استصدار آخر.
- اذهب يا ابني برعاية الله، ولا تنس وطنك، وذات يوم ستتحرر بلادكم، وسنكون معكم.
شكرته من قلبي، ودمعت عيناي، وقلت في نفسي ما أجمل أن يكون لنا دولة..بل ما أحوجنا إلى الدولة!
والأوراق كثيرة في حياة الأفراد والشعوب، وفي حالة الدول، وبعد تأسيس عصبة الأمم، ومن بعدها هيئة الأمم، صارت تلك المؤسسة الرسمية دوليا، هي من تصدر شهادات ميلاد الدول الأعضاء.
هي مهمة تلك الأوراق، لكن الواقع هو من يؤكد عليها؛ فوجودنا الفردي الإبداعي، ووجودنا الجمعي الأكثر ذكاء هو من سيأتي بالأوراق.
الورق دال على البشر، فهم الأصل، ونحن أصل الحكاية القديمة التي ما زالت تنمو..
وهكذا، حجر على حجر، وطوبة فوق طوبة، وكتاب فوق آخر، نراكم معا أسباب البقاء، كميا ونوعيا، وحصادا..
همومنا كثيرة وكبيرة، لكن لنا ما نهتم بفعله، وهذا هو الأهمّ.
نزرع حبوب القمح والخضار، لكن أيدينا تزرع الشجر..
لا نستسلم للتحديات، وهل عشنا على مدار قرن في سنوات عسل!
إذن ببساطة، لنبعد اليأس عن طريق أفعالنا، ونمضي في الطريق..نمشي ونركض..متجاوزين ما يعيقنا ومن يعيقنا حتى ولو كانوا منا وفينا.
دوما هناك مجال للإبداع، هكذا فعلت شعوب وأمم أخرى قبلنا، وبدلا من إثارة الكسل والقنوط، ليفكر كل فرد ما يمكن أن يقدمه، لنفسه ومحيطه ووطنه، فسيجد الكثير ليصنعه ويبدعه.
وبدلا من انشغال الساسة أعضاء اللجان بما يصعب اختراقه، فثمة هنا على الأرض ما يمكن تسجيل الاختراق اليومي فيه..
ليصبح المنصب السياسي منصبا للبناء والتشغيل والزراعة والصناعة والتعليم والثقافة!
والطريق واضحة، والخطط كثيرة ومعظمها صالحة..
نحتاج اليوم لقيادات من طراز خاص، تتحدث عن المجتمع والأرض أكثر ما تتحدث في السياسة.
خدمة بقاء الإنسان هنا تعني طعامه والشراب والفكر أيضا، وإلا نفعل سيجد آخرون مجالا لتعبئة البشر صغارا وكبار فيما يعيق مشاريعنا الفردية والجماعية والوطنية.
لنكون معا، باحترام بين الكبير والصغير، نتشارك ونتبادل الخبرات، نعطي كشباب المجال للكبار ليمنحونا خبرتهم، ويعطونا المجال لنبدع.
من كان في يده ما ينشغل به نهارا، فليقم به، وليلا، سيكون مجالا للتفكير والتخطيط للنهارات القادمة..
حين عقّب البيت الابيض على ردود الأفعال بقوله: نحن لم نطرح صفقة القرن، فالفلسطينيون فهموا الصفقة خطأ، وان الرئيس ترامب سوف يطرحها في الوقت المناسب على الطرفين على حد ادعائهم، كنت أفكر بما يلزم من تراب لزراعة الصخر. وآخرون يفكرون بأفضل طرق صيد السمك، وأخريات يعددن أمورهن لإثبات وجودهن الفاعل على هذه الأرض.
للسياسي أن يرى ما يرى من أمتار الرؤية-الرويا، ولنا أن نواصل انشغالنا بما نبنيه من نصّ أو سنسلة، أو زرع وحصاد..وتجميع قطرات المطر.
للسياسي أن يراجع أفعاله وردود أفعاله، وأفعال الآخرين، فلذكائه رمزية قديمة جديدة، فالمغرور دوما له نهاية، بل هو من يصنع لجهله بذور فنائه.
قليل هو حديثنا في السياسة، حيث لم يعد لدينا الكثير لنقوله نثبت أمرا، أو نسخر من آخر. لكن لنا ما نفكر به لنزيد قدراتنا على الأرض، فكلما طالت الشجرة فإن جذورها ستمسك الأرض بقوة أكثر.
وهكذا، فنحن ما زلنا نبدع وجودنا هنا، بما يلزم من شروط، فالأشجار لا تحتاج إلا أوراقها الخضراء..تمنح حبها للطير..
تحسين يقين
[email protected]