صَفقة القرن وحل الدّولتين الكارثيّ

بقلم: سميح خلف

ثمّة مُتغير حدث بأنّ دِول الإقليم تبحث عن مصالحها  في تجاوز  لما يُسمى قضيّة العَرب الكُبرى وفلسطين تمثّل مِحورية الصّراع، ومخطئ من يتحدث عن أن هناك تناقض في السياسة الخارجية الأمريكية مُنذ عهد الرّئيس روزفلت عام 1936م مُرورا بكل الرّؤساء مُرورا بترومان وايزنهاور  وجنسون ونكسون وفورد وكارتر  وريجان و بوش الأب والابن  وأوباما والحالي ترامب، ولكن قد تبدو الصّورة أوضح وأكثر تفصيلاً وانحيازا لإسرائيل في عهد أوباما  وسياسة ترامب التي أرادت لَملمة مُكتسبات الرّبيع العربي في صفقةٍ على طريقته الخاصّة كرجل مُقاول ورجل صفقات،  فمن المعروف عن ترامب  أنّه يعشق في سوق البزنس أن يقتنص المشاريع الفاشلة أو الشركات السّاقطة ليُعيد تَجديدها بهيكَليات مُختلفة أو يُفككها تماماً ثم يعيدُ بنائها، لن يخرج تفكير ترامب عن سِياق سيكولوجيته التّجارية  فيما يُسمى صفقةَ القرن  والّتي خُطوطها تتحدّث  عن الحلّ الإقليمي والطّموح الاقتصادي الأمني لِدول المنطقة تجاوزاً لتعقيدات مُشكلة تُسمّى فلسطين  ومن نظرةِ الخُضوع الكَامل لأمن إسرائيل في أن يجدُوا حلاً  للفلسطينيين وبرغم انتهاجهم ما يُسمى سياسة الواقعيّة الّتي بمُوجبها اعترفت مُنظمة التّحرير ومِن خِلال المجلس الوطني في الجزائر عام 1988م بإسرائيل.

إنّ فَرض الوقائع على الأرض سيجعل الفلسطينيون والعرب يَقبلون ما كان مَرفوضاً سابقاً  وهذا موقفِ القادة الإسرائيليين من التّحولات على الأرض في الضفّة والاستيطان واستغلال عمليّة القُدس لفرض وقائع أمنيّة جديدة على المسجد الأقصى  والسّيطرة الكاملة عليه وعلى بوّاباته في تجاوز للوِصاية الأردنيّة  وإن كانت إحدى بُنود اتفاقيّة وادي عربة  بأنه في تفاهمات الوضع النّهائي سيَبحث الجانبان عن دور (إشرافي على المقدسات ) وهُنا يتّضح  بأنّه لا يوجد تصوّر لوُجود سلطة فلسطينية بنظام سياسي تقع القدس تحت سيادتها  أو حل لدولتين دولة اسرائيلية على 88 % من أرض فلسطين ودولة للفلسطينيين على 18% من ارض فلسطين، في كل الأحوال لا نُريد أن نتحدّث هُنا عن برنامج مُنظمة التّحرير وأين أصاب وأين أخفق  ولكن برنامج حلّ الدولتين  في اعتقادي وبرسم الحُدود بناءً على قرار 242 يعني أن تمتلك الدّولة الفلسطينية الشّريط الحُدودي مع الأُردن  على خطّ نهر الأُردن والبحر الميت، وما قامت إسرائيل به من تحويل مياه نهر الأُردن وهو إحدى مُسببات عُدوان 1967م استحوذت فيه على المياه والطاقة،  والمعركة مع المشرُوع الصّهيوني ليس الاستيلاء على أراضي الغُور فقط بل صِراع على المياه بين الشّعب الفلسطيني والكيان الإسرائيلي.

عجلة التّطبيع مع إسرائيل في تجاوزٍ لقضية العرب الكُبرى  بإخراج مصر والأُردن من الصّراع  باتفاقيات مُعقدة ومُركبة  من الصّعب القفز عنها من أحد الأطراف والإسرائيليين ومدعومين أمريكياً وغربياً  يُطوّعوا تلك الاتفاقيات في نظرية تلاشي مُعطيات وعناصِر القضية الفلسطينية والارتكازيّة، ولذلك كان مبدأ حلّ الدّولتين وأُوسلو  وإسقاط  فكر الكِفاح المُسلح والمقاومة، سقطات كُبرى في تاريخ منظّمة التّحرير وقِيادتُها، بل كان الانسحاب من بيروت  وإنهاء دور المقاومة والثّورة يُعتبر خطأ تاريخي انعكس على سير الصّراع في المنطقة، بدأ مُنذ ذاك التاريخ سُقوط المشروع الوطني الفلسطيني بِملامح كيان لا يعدُو عن روابط أقاليم ومُدن من خلال أُوسلو  استفادت اسرائيل أمنياً وديمُوغرافياً واقتصادياً وفُتح الباب على مصراعيه  لبُروز الحلّ الاقليمي وتجاوز القضية الفلسطينية.

القيادة الفلسطينية وهي تعلم ببُروز الحل الإقليمي على السّطح تفقد إرادتها وقُدرتها على تجديد برنامجها تنظيمياً وشعبياً ودولياً تبعاً للمُتغيّر القادم بل ما زالت مُحنّطه في حل الدّولتين والمُبادرة العربية والتي تجاوزها ترامب بصفقته بعد مُراوغات وكسب للوقت أعطتها الإدارة الأمريكية خلال عقدين لإسرائيل لتُغير كثيراً من الوقائع على الارض.

ونُريد أن نضع الرّكائز الآتية لدول الإقليم وإن كانت ما تزال تتحدّث عن دولة للفلسطينيين إلا أنّ دول الاقليم عملياً تجاوزت هَذا الطّرح وعلى سبيل المِثال لا الحَصر  جميع المشاريع الاستراتيجية والنّقل التّجاري بين الأُردن وإسرائيل على ضِفّتي النّهر  وسَقفها الزّمني تتجاوز أيّ سيادةٍ فلسطينية  على الضّفة الغربية  وبما فيها المشروع العِملاق بربط البَحر الميّت بالبحر الأحمر بين الأردُن وإسرائيل والسّلطة باعتبارها سُلطة إدارة مُدن ليست شريكاً  بل مُستثمراً للمياه والطّاقة بأسعار مُخفّضة، الرئيس الفلسطيني يعلم جيداً أين الأمور تسير سياسياً ووطنياً وبالتّالي  أعطى الوِصاية على المُقدسات لجلالة الملك عبد الله تنفيذاً لما جاء في أحد بُنود اتفاقية وادي عربة.

الرّئيس الفلسطيني يَسير في تنفيذ الحلّ الإقليمي بِقرارته المُتعدّدة التي اتّخذها ضد أهل غزة والمُوظفين التّابعين للسّلطة في خُطوة متدرّجة لفك الارتباط مع غزة وتحتَ ذرائع لا يَقتنع بها رجلُ الشارع العادي وليس من هم يهتمون ويدققون برسم الجغرافيات السياسية للمنطقة.

إعادة الانتشار الّتي اتّخذها شارون في غزّة والتي هي في التّوراة يُسمونها " الارض الملعونة " وان كانت غزة والمقاومة قد سببت إشكالية للمستوطنين والجيش الإسرائيلي إلا أن الانسحاب  أتى بناءً على توصيات خُبراء مراكز الدّراسات الاستراتيجية الإسرائيلية والتّحولات التي يُمكن أن تحدُث للمنطقة ديمُوغرافياً وأمنياً وسياسياً، وبالتّالي  أتى الانسحاب من غزة لتطويع مشروع قديم لدُويلة غزة  واتجاه غزة للجَنوب  وفك الارتباط التدريجي مع إسرائيل  وفي نِطاق تبادل المصالح والعَلاقات الأمنية والاقتصادية لدول المنطقة مع إسرائيل،  أي مُلحق آخر لكامب ديفيد، أمّا الضّفة التي تجاوزت فيها المشاريع الاستراتيجية بين الأُردن وإسرائيل الخطوط والبُنود لاتفاقية وادي عربة  فهي تتجاوز أيّ مفهُوم لقيام دولة أو سُلطة للفلسطينيين ذات سيادة إلا في نطاق الرّبط الأمني والاقتصادي والمَدني وتقاسُم  الإدارة  على المُدن الفلسطينية في الضفة الغربية.

تلك صفقة القرن التي يتحدّث عنها ترامب والخارجية الأمريكية والإسرائيليين فلا كيانات ذات سيادة للفلسطينيين ولا حق عودة ولا ما يحزنون.

معلومات خطيرة عن "صفقة القرن" كشفها ناشط إسرائيلي يدعى " دانيال مورجانشتيرن" بصحيفة "هآرتس" بتاريخ 15 يوليو 2017، في مقال بعنوان "ليست واحدة ولا اثنتين بل ثلاثة".

يؤكد الكاتب وهو - ناشط في مجال البيئة- سعي الولايات المتحدة لتقسيم فلسطين بحيث تضم مصر قطاع غزة إلى سيادتها، مقابل حصول الأردن على أجزاء منالضفة الغربية، وضم باقي أجزاء الضفة لإسرائيل.

في احتفالية على شرف إسرائيل في نيويورك، قبل نحو شهر تحدث جون بولتون الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة بالأمم المتحدة، واستبعد تماما التصور السائد لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني عن طريق "دولتين لشعبين". صاغ بولتون حلا مبتكرًا: ثلاث دول- مصر والأردن وإسرائيل: بحيث تتبنى مصر قطاع غزة، وتفرض الأردن رعايتها السياسية والاقتصادية على أجزاء من الضفة الغربية، وتحرص إسرائيل على باقي عرب الضفة الذين سينضمون لمواطني إسرائيل بمساواتهم في الحقوق والواجبات. من أجل الأمل علينا الانضمام لفكرته السامية".

خطوط 1967 هي خطوط وقف إطلاق النار، وليست منطقية من الناحية الجغرافية والجيوسياسية. هذه الخطوط ليست مناسبة كأساس لأية مفاوضات سياسية. تجربة الحياة المشتركة بين اليهود والعرب في أرض إسرائيل شهدت مدًا وجزرًا. ليس هناك طريقة للفصل بين عرب إسرائيل واليهود، وبين مليوني عربي في الضفة الغربية و430 ألف يهودي (في مستوطنات الضفة)

يتمتع الفلسطينيون في المنطقة A بحكم ذاتي كامل: بما في ذلك الخدمات المدنية والاقتصاد والشرطة، باستثناء وجود جيش وكيان سياسي. لدى السلطة الفلسطينية مجلس تشريعي ومحاكم تعمل وفقا للقانون الأردني- العثماني الذي كان ساريًا عشية حرب الأيام الستة. حل الثلاث دول هو نافذة فرص لإنهاء الصراع.

سيبقى نهر الأردن داخل الحدود الأمنية لمملكة الأردن ودولة إسرائيل، مثل الحدود الإسرائيلية- المصرية- وهي الحدود التي ستكون تحت السيطرة الأمنية المشتركة للجيش الإسرائيلي والجيش الأردني والجيش المصري، على التوالي. سيكون هذا هو أفضل استثمار دولي للدول الكبرى لتصفية بؤرة صراع إقليمي نازفة، وينهي دفعة واحدة حكم الاحتلال، والمخاوف من تحول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية.

ملاحظة: هل يستطيع الفلسطينيون بقيادتهم الحالية وأوضاعهم الداخلية  تجاوُز المُتغير الاقليمي والدولي  والرّجوع للشّعب المُغيب لصِناعة وإحداث فِعل على الأرض يُوقف هذا المُخطط الذي سيُنهي قضية فلسطين التاريخية كما أسقطها في الخمسينات من القرن الماضي أم ستعمل تِلك القيادات كلٌ بدورها ليُصبح واقعاً سياسياً وأمنياً على الشّعب الفلسطيني بعد عملية تسطيح ثقافي وتعبوي وتهميش ومُحاربةٍ لهم في أرزاقهم ولُقمة خبز أولادهم، هل يستطيع الشّعب الفلسطيني الثورة على قيادته كي يُحدث مُتغير ليس في الحُسبان إقليمياً ودولياً، الفرصة ضئيلة جدا ..؟؟!

 

سميح خلف