يأبى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلا أن يضرب بعرض الحائط كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية التي تنادي بحقوق الإنسان عبر إصراره على قراره الجائر، نقل السفارة الأميركية إلى القدس في وقت ما خلال العام المقبل، وتشديده على أن «مسألة القدس ليست مطروحة في أي مفاوضات مستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين».
ترامب أكد ذلك لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على هامش مؤتمر دافوس في سويسرا، وهو موقف يعبر عن مزيد من الاستفزاز والاستخفاف بكل المواقف، التي صدرت عن العرب والمسلمين والمجتمع الدولي الرافضة للقرار الأميركي، وكأنه يقول للجميع انسوا القدس وفلسطين، فهذه الأرض أصبحت مطوبة لليهود فقط ولهم الحق في إقامة وطنهم القومي.
في المقابل يمارس ترامب أبشع أشكال الابتزاز السياسي، مستخدماً سلاح المساعدات المالية، لتجويع الشعب الفلسطيني وحمله على الإذعان والاستسلام، هذا الأمر يعني أن الرئيس الأميركي يطرح معادلة جديدة في مسار القضية الفلسطينية، وهي المساعدات للفلسطينيين مقابل التنازل عن الحقوق.
يقول البعض: إن «الوضع النهائي للقدس هو من أهم عناصر عملية السلام الرامية للتوصل إلى حل شامل وعادل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني»، ولكن عن أي عملية سلام وأي حل عادل وشامل يتحدث هؤلاء؟ وهل السلام والاحتلال يلتقيان؟
إن سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة وحلفاءها في المنطقة والعالم منذ نشوء الصراع العربي الصهيوني يؤكد أن الهدف الأوحد لهؤلاء هو تصفية القضية الفلسطينية ليس إلا، وفي أحدث الأدلة على ذلك تقدير جيش الاحتلال الصهيوني في وثيقة إستراتيجيته تم توزيعها بين العسكريين في الكيان الصهيوني منذ شهرين عن احتمال تصعيد الأوضاع في الحلبة الفلسطينية بالأكبر، واصفاً هذه الساحة بالأقل استقرارا.
وتقول الوثيقة في تقديرها العام إن «إسرائيل، وفي السنوات القريبة، ستتمتع بوضع إستراتيجي صارم وبمعادلة إيجابية في علاقاتها مع الأعداء»، وذلك «بسبب الدعم الأميركي، وتراجع مكانة الدول العربية على خلفية قضاياها الداخلية، والقدرات العسكرية الإسرائيلية المتفوقة»، وتدعو إستراتيجية الجيش، التي تم إعدادها تحت إشراف رئيس هيئة الأركان الصهيوني، الجنرال غادي أيزنكوت، إلى تعزيز التعاون بين كيانه والدول «المعتدلة» في المنطقة.
ومن الخطوات التالية لتصفية القضية الفلسطينية بعد قرار ترامب المذكور حول القدس ما نقلته قناة «حاداشوت» الصهيونية يوم الجمعة عن دبلوماسيين متابعين للموضوع قولهم إنه الآن، بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، من المتوقع أن تكمن خطوة البيت الأبيض اللاحقة في شطب «حق العودة لملايين الفلسطينيين إلى «إسرائيل» من لائحة مسائل الوضع النهائي في عملية السلام».
وسيعرض البيت الأبيض بعد ذلك مقترحا لـ«السلام» كان ترامب يتحدث عنه في دافوس السويسرية، مشيراً إلى أنه «ربما من الأفضل تسمية هذا المقترح بخطة نتنياهو» لأنه سوف يلبي معظم مطالب رئيس الوزراء الصهيوني.
ووفقا للقناة الصهيونية نفسها فإن الولايات المتحدة تدرس إمكانية إغلاق سفارات منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، إذا استمر الفلسطينيون في مقاطعة مفاوضات «السلام» احتجاجاً على قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب.
وكان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بعث في تشرين الثاني رسالة إلى القيادة الفلسطينية تحذر من أن مكتب منظمة التحرير في واشنطن قد يغلق ردا على قيام الفلسطينيين بدعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم «الإسرائيلية» ضد الفلسطينيين، وذلك بعد أن توجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى المحكمة الجنائية الدولية لإدانة جرائم حرب ارتكبتها سلطات الاحتلال بحق الفلسطينيين خلال الحرب على غزة في العام 2014.
وفي وقت لاحق، قال مسؤولون في وزارة الخارجية إنه تقرر إبقاء المكتب مفتوحا لمدة 90 يوما على الأقل، وفي نهاية تلك الفترة، يمكن لترامب أن يعلن عن تمديد نشاط المكتب أو إغلاقه.
أحيل الجميع إلى ما أعلنه نائب الرئيس الأميركي مايك بينس في كلمة أمام الكنيست الصهيوني خلال جولته بالمنطقة قبل عدة أيام، حول دعم الولايات المتحدة للكيان الصهيوني، حيث قال: «إن الولايات المتحدة تقف دائماً إلى جانب إسرائيل، ولن تتخلى أبدا عن أمنها»، وأكد بينس «إن السفارة الأميركية ستنقل من تل أبيب إلى القدس قبل نهاية عام 2019، معتبراً أن الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» يخدم السلام على أفضل وجه، وأن الولايات المتحدة اختارت الحقائق بدلا من الخيال، وستبقى ملتزمة بالسلام النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين»، وأضاف بينيس في تصريح له «إنه لشرف عظيم أن أكون في القدس عاصمة إسرائيل».
هذه هي أميركا وسياستها إزاء القضية الفلسطينية والحقوق العربية بشكل عام، فماذا عن أبناء جلدتنا الذين ينصرون هذه الحقوق في العالم الرحب؟
بقلم/ نعيم إبراهيم