الشباب وتحديات المشروع الوطني

بقلم: فؤاد صفوت بنات

ما يزيد عن عشر سنوات مضت على أحداث الانقسام الفلسطيني، والتي تعرض فيها الشباب في قطاع غزة لكافة أشكال التهميش، وأسس لحالة من القمع والحرمان وانتهاك للحقوق،

لاسيما الحق في لقمة العيش من خلال فرصة عمل ،والحق بالتعليم الذي يحفز الإبداع ، الحق في التعبير عن الرأي بحرية، وكذلك الحق بحياه ‏كريمة ، حقنا في الحفاظ على الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية .

وهنا يجدر الإشارة أنه لا يمكن فصل الحالة الشبابية عن تبعات هذا الانقسام البغيض لما له من ابعاد سياسية واقتصادية ‏واجتماعية، نزاعات على السلطة والنفوذ بين طرفي الانقسام في غزة والضفة الغربية وتفرد ‏في صنع القرار و محاولة فرد عضلات لكل طرف على الآخر، بدأت بإهدار دماء في قطاع غزة ‏خلال الانقلاب أو الحسم فكلاً منهم يسميه ليجمل صورته فقط أو العكس ،ثم بدء عداد استنزاف ‏الطاقات الشبابية من خلال زجهم في أعمال قد يكون لا حاجة لها ، بسبب الخوف الرهيب من ‏اجتماع وتوحيد الحالة الشبابية تحت مظلة واحدة قد تكون مؤثرة في أي تغيير استراتيجي على ‏أي حاله مستقبلية .‏

أدى الانقسام إلى نشوء فئات وجماعات مصالح ومراكز قوة ونفوذ ،مستفيده بشكل مباشر من بقاء الحال كما هو عليه سواء بالعلاقة الداخلية أو بالعلاقة مع الاحتلال ،جماعات تقوم بوضع العصا في دواليب المصالحة حتى يبقى نفوذها كما هو في المؤسسات الأمنية و المدنية ،وغالبا ما تكون مرتبطة بجهات إقليمية وتعمل وفق املاءات خارجية او من خلال المراهنة على تغييرات المحيط العربي .

وإذا أردنا الحديث أكثر عن جذور الانقسام وأسبابه ،فيستوجب علينا الحديث عن المشروع الاحتلالي الصهيوني العنصري الاستيطاني الذي يحاول بكل قوته تبديد الهوية الوطنية الفلسطينية وإبقاء الوضع بما هو عليه بشرخ جيوسياسي وفصل تام بين غزة والضفة وهذا كان نتيجة تخطيط مسبق للقيادة الإسرائيلية التي قد أقرت الانسحاب من قطاع غزة عام 2005 أولا وصولا لتعزيز الانسلاخ بين طرفي الوطن الواحد.

انسلاخ أدى إلى تهميش وإقصاء غالبية قطاعات المجتمع الفلسطيني ،شباب واتحادات ونقابات ونساء ومنظمات أهلية و وسائل إعلام ،عن المشاركة في الحياة السياسية .

إن استمرار نهج الإقصاء والتفرد وعدم القناعة بالشراكة السياسية والتعددية عزز أولوية استعادة القطاع من حماس لصالح السلطة ،مع إصرار حماس على السيطرة على كل نفوذها هناك هو ما يؤخر عملية المصالحة اضافه إلى العقوبات التي لا تزال ترهق الحالة الفلسطينية وادت لسحق الطبقة الفقيرة في قطاع غزة فأصبحنا نرى اناس يفترشون الشوارع لاول مرة منذ بدء الانقسام وبدأت الجرائم بالانتشار ،حيث ان في عام 2017 كان لدينا تقريبا جريمة كل شهر تقريباً واللافت ان اشكال الجرائم جديد ودخيلا علينا ، اضافة لانتشار المخدرات والترامادول والانتحار في بعض الأحيان ، شهد 2017 زيادة حادة في معدلات البطالة حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل في فلسطين تقريبا 400 ألف غالبيتهم من قطاع غزة وهذا الملف وحده يعتبر قنبلة موقوتة تهدد بالانفجار في حال استمر الحال بما هو عليه ،95% من مياه قطاع غزة غير صالحة للشرب .

مشاكل حياتية تتراكم يوم بعد الآخر على أبناء شعبنا ، انقطاع للكهرباء والماء ونقص حاد للأدوية ومنع التحويلات فترات طويلة وانقطاع للمحروقات في بعض الأحيان ولكن كل ذلك حتى الآن لم يخلق نية حقيقية لطرفي الانقسام لإنهائه.

ومع بدء الحديث عن مصالحة وتوقيع اتفاق 2017 المبني على اتفاق 2011 بدء الأمل بالحديث عن إحداث تغيير حقيقي وبدأت بعض الحركات الشبابية التي كانت خامدة بالتحرك على عدد من القضايا غالبيتها وطنية ومطلبيه واغاثية ، كنا نأمل تحرك هذه الحركات قبل ذلك ولكن لاشك أن القمع المفرط ايبان الانقسام للحراكات والشباب الذين حاولوا صناعة تغيير كانت ذا جدوى فاخرت ظهور هذه الحراكات ،ولكن الحديث هنا ان تأتي خير من أن لا تأتي.

تميزت بداية 2018 بظهور حراكات مطلبية مثل حراك الكهرباء وحراك احتجاج على الوضع الاقتصادي السيئ وحراك الخريجين ،ان بدايه هذه الحراكات ستكون شعلة التغيير في المرحلة القادمة اذا بقت الامور على حالها وان استخدام القوة والقمع ضد هذه الحراكات في هذه المرحلة سيكون له نتائح قد تكون صاعقة على المدى البعيد .

واننا كشباب ، ومن هذه المنطلق قمنا بتشكيل هيئة شبابية عليا لدعم المصالحة ستكون مهمتها متابعه ومراقبة المصالحة وتضييق الفجوات وتقريب وجهات النظر وصولا لمصالحة حقيقية نعيد من خلالها الاعتبار لهويتنا الوطنية التي مزقها الانقسام طيلة ما يزيد عن عشر سنوات .

المطلوب من الشباب في هذه المرحلة خلق جسم شبابي موحد قوي وفعال مستقل حيادي في قراره ، قادر على إجراء الحوار والتغيير داخل المجتمع الفلسطيني، قادر على وضع برنامج خاص بالشباب قادر على توجيه طاقة الشباب بالطريق الصحيح وانتزاع حقوقه ، اضافة إلى خلق بيئة مجتمعية قائمة على الحوار من خلال تقديم وتعزيز الأفكار والمشاركة في صنع القرار بين أفراد المجتمع.

جسم نستطيع ان نقول عبره بانه لم يعد من المقبول لأي احد بعد اليوم أن يتاجر بالآم أبناء شعبنا ولن نسمح لان تسير الأمور كما كانت طيلة هذه المدة التي اختصرت من حياتنا عمر الانقسام.

ومن هذا المنطلق علينا الدفع باتجاه وحدة وطنية بعيداً عن الهيمنة والإقصاء والتهميش ،وفق أسس شركه سياسية من كل ألوان الطيف السياسي تشمل كل قطاعات المجتمع من شباب ،عمال ،نساء ،مؤسسات مجتمع مدني ومستقلين وكفاءات في الوطن والشتات وإشراكهم في صنع القرار،وخصوصاً في ظل ما يحاك ضد قضيتنا من خلال إعادة بناء منظمة التحرير المترهلة بمشاركة حركة حماس والجهاد الإسلامي حتى تكون بالفعل ممثلاً شاملاً وشرعياً ووحيد للشعب الفلسطيني ، نستطيع من خلال هذه المنظمة صياغة استرتيجية نضال وطني تحرري من كل ألوان الطيف السياسي وبناء مؤسسات الدولة وتشكيل مجلس وطني جديد وفق مبدا التمثيل النسبي الكامل لنضمن إشراك الكل الوطني نكون من خلالهم قادريين على صياغة مشروع وطني و تذييل كل العقبات وصد كل المؤامرات التي تحاك ضد قضيتنا الوطنية .

بقلم/ فؤاد بنات