وثيقة هي العلاقة بين التصعيد الحاصل في شمال فلسطين وبين مساعي التهدئة وترطيب الوضع في قطاع غزة، فرغم الحشود الإسرائيلية على جدران قطاع غزة، ورغم المناورة الضخمة التي يعد لها الجيش الصهيوني عدته، إلا أن قادة الجيش يعربون عن رغبتهم في التهدئة على حدود غزة، بل جاء تقرير رئيس الأركان جادي ايزنكوت لمجلس الوزراء الإسرائيلي، والداعي إلى تخفيف معاناة سكان قطاع غزة كأفضل طريق لتجنب المواجهة القادمة، هذا التقرير الذي يحتوي ضمناً على تحذير المستوى العسكري الإسرائيلي من توحيد الجبهتين الشمالية والجنوبية في أي مواجهة مشتركة مع العدو الإسرائيلي.
ولما كان الخطر الحقيقي على وجود الدولة الصهيونية يتمثل في وجود القوات الضخمة لحزب الله أولاً، وفي القوات الإيرانية المتواجدة في سوريا ثانياً، كما قال رئيس الأركان الإسرائيلي، فهذا يعني أن التوحد في جبهة عربية إسلامية واحدة، لمواجهة عدو إسرائيلي واحد هو أسوأ سيناريو قد تقطف المستويات السياسية الإسرائيلية نتائجه السلبية، والتي ستتمثل أولاها في إفساد التحالفات الجديدة القائمة على أكذوبة التطبيع والصداقة والتحالف بين دول السنة العربية ودولة الصهاينة للوقوف ضد عدو مشترك اسمه إيران.
إن تحالف قوى المقاومة في جبهة عربية إسلامية واحدة في مواجهة عدو إسرائيلي واحد، يعتبر أقوى ضربة للمخططات الإسرائيلية القائمة على فرض حقائق سياسية جديدة على الأرض العربية بشكل عام، وله انعكاساته على معنويات المجتمع الإسرائيلي برمته، بعد أن عاش أجمل أيام دولته، وتبوأ مكانته الأمنية والاقتصادية المتطورة على حساب شعوب العرب التي تعاني الانقسام والخلاف والاقتتال الداخلي، لتكون المواجهة المشتركة بين حزب الله وإيران في الشمال، ورجال المقاومة الفلسطينية في الجنوب، هذه المواجهة التي ستجتمع من خلفها الشعوب العربية والإسلامية، والتي ستضع العديد من أنظمة الحكم العربية في دائرة الشك، ولاسيما تلك الأنظمة التي تحرص على التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وتسعى إلى تأسيس حلف استراتيجي مع دولة الصهاينة، يحرف بوصلة العداء عن أصوله التاريخية والعقائدية.
وفق التقدير السابق، فأن مصلحة العدو الإسرائيلي هي إشعال الجبهة الشمالية دون المس بالجبهة الجنوبية، أو محاولة التحايل على الجبهة الجنوبية في قطاع غزة من خلال تقديم بعض الإغراءات المالية من هذه الدولة العربية أو تلك، أو ارتفاع وتيرة التصريحات التي تنادي بمد يد العون لأهل غزة، أو عقد الاجتماعات في بركسل بناء على دعوة الخارجية السويسرية، حيث أعربت دولة الصهاينة عن عدم معارضتها في مساعدة سكان غزة.
تحييد غزة عن لبنان وسوريا في هذه المرحلة هو هدف صهيوني استراتيجي، سيحرص العدو على تثبيته بمساعدة بعض الأنظمة العربية والدولية، حتى يفرغ من الجبهة الشمالية، فيتحول بكل طاقته الإرهابية من الشمال إلى الجنوب، بهدف التفرد بالمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
في هذه الزحمة من الأحداث، جاء تصريح الناطق باسم كتائب القسام، تعبيراً عن الإدراك الحقيقي لخطورة ما يجري، وعليه فقد حدد موقف المقاومة من تطور الأحداث، ووضع النقاط على الحروف، وأعلن باسم كتائب القسام عن رفع درجة الاستنفار في صفوفها لحماية شعبنا، والرد على أي عدوان صهيوني؛ وذلك نظراً للأحداث التي يشهدها شمال فلسطين المحتلة.
د. فايز أبو شمالة