إسقاط طائرة أل F 16 الأمريكية الصنع والإسرائيلية الملكية ، من قبل الصواريخ العربية السورية من طراز سام 5 السوفيتية الصنع ، حدث غير عادي ، ليس لجهة المواقف المبدئية للدولة السورية وقيادتها في مواجهة المشروع الصهيو أمريكي ، فهي ثابتة ثبوت إيمانها اليقني في الصمود والتصدي للحرب الكونية التي تقودها الولايات المتحدة و" إسرائيل " والأدوات الوظيفية في الواقع الإقليمي بهدف إسقاط المنطقة برمتها . ولكن لأن إسقاط تلك الطائرة الأمريكية – " الإسرائيلية " يأتي في توقيت شديد التعقيد وبالغ الخطورة ، حيث تتدحرج الأوضاع نحو التصعيد بسبب أن سوريا وحلفائها وبعد استعادت زمام المبادرة انطلاقاً من الميدان السوري الذي مالت موازين القوى فيها لمصلحة محور المقاومة وحليفتها روسيا الاتحادية . الأمر الذي بدأت فيه مرحلة استبدال الأدوات ، ليحل محلها الأصلاء بعد فشل تلك الأدوات في تحقيق أهداف هؤلاء من مشغلين ومحرضين وممولين ، وهذا ما بدا واضحاً ، أولاً عبر إسقاط الطائرة الروسية بصاروخ أمريكي من قبل الإرهابيين ، وثانياً بدأت تركيا تدخلاً عسكرياً ضخماً تحت حجة التصدي للأطماع الكردية الهادفة إلى إقامة كانتون وطردهم من عفرين ومنبج ، وثالثاً من خلال الغارة الأمريكية في دير الزور على القوات الشعبية الحليفة لسورية ، ورابعاً تلك الغارة " الإسرائيلية " على مواقع سورية ، والتي ارتدت على العدو الصهيوني بإسقاط طائرتها أل F 16 فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة .
فما هو الحدث الغير عادي الذي ترتب على إسقاط الصواريخ السورية للطائرة " الإسرائيلية " ؟ :-
1. من الواضح أن هناك قراراً على أعلى المستويات قد اتخذ للتصدي للعدوانية " الإسرائيلية " المتمادية ضد الأراضي السورية خلال السنوات السبعة من عمر الأحداث . وهذا القرار لا يتعلق بمحور المقاومة وحده بل القيادة الروسية والرئيس بوتين ليسا بعيدين عنه ، بعد حادثي إسقاط الطائرة الروسية بصاروخ أمريكي الصنع ، والغارة الأمريكية على دير الزور ، والتي دفعت الوزير لافروف للقول صراحة بأن الولايات المتحدة تعمل على تقسيم سورية ، والسيطرة على ثرواتها
2. أتى الرد السوري المشرف على العدوان " الإسرائيلي" وبهذه القوة والحزم ، قبل أيام من عقد القمة الروسية – الإيرانية - التركية المرتقبة ، للتأكيد لتركيا أن عمليتك العسكرية في عفرين ومنبج ، وإن هناك تفهم روسي لا سوري لها ، ولكن لن يعطيك الحق في البقاء طويلاً في الداخل السوري
3. إسقاط الطائرة " الإسرائيلية " بقدر ما هي رسالة لحكومة نتنياهو وجنرالاته بأن قواعد الاشتباك إن لم تتغير ، فهي تسير حثيثاً نحو التغير . فهي رسالة أيضاً للولايات المتحدة ، بأن طائراتك التي أغارت على دير الزور وارتكبت مجزرة مدانة باسم التحالف الدولي ، ستلقى ذات مصير الطائرة أل F 16 إذا ما تكررت . وعلى الجانب الآخر هي رسالة للحلف الذي تعمل الإدارة الأمريكية على تشكيله في المنطقة لمواجهة ما أسموه بالخطر الإيراني المتمدد في المنطقة ، بأن محور المقاومة أخذ بعين الاعتبار أنكم دول معادية له وستعاملون في أية حرب على أنكم جزءاً أصيلاً منها إلى جانب الكيان " الإسرائيلي "
4. أن في أحد جوانب الرد السوري الحاسم على العدوان " الإسرائيلي " بطريقة إسقاط له ، رداً روسياً على إسقاط طائرة له بصاروخ أمريكي ، للقول لأمريكا أنّ هذا العمل وهذه الفعلة الشنعاء لن تمر مرور الكرام وكأن شيئاً لم يكن
5. تأكيد ما قاله الرئيس بوتين لرئيس الحكومة " الإسرائيلية " نتنياهو في لقائه الأخير ، بأن في مقدورك بدء الحرب ، ولكنك لن تتمكن من التحكم بمسارها . وما جرى هو شيء مصغر عما سيحصل في حال إندلاع الحرب
6. التأكيد ل" الإسرائيلي " ومن قبله الأمريكي ، أن محور المقاومة موحد في أية حرب قادمة ما دامت " إسرائيل " الطرف المعتدي فيها ، وإنّ الرهان على خلافات بين أطراف هذا المحور لن يجدي نفعاً ، والجواب جاء في ردود الأفعال على العدوان الغاشم على سورية ، والثناء على أداء الجيش العربي السوري ، وإعلان الكتائب المسلحة في قطاع غزة حالة التأهب القصوى بين صفوفها تحسباً لأية تطورات عسكرية
حصيلة ما جرى منذ لحظة إسقاط الطائرة " الإسرائيلية " وحتى كتابة أسطر المقالة تدعو للتفاؤل بأن القادم من الأيام لن تكون إلاّ في مصلحة محور المقاومة الممتد من إيران إلى العراق وسورية ولبنان إلى فلسطين ، والأيام بيننا .
رامز مصطفى
كاتب وباحث سياسي