أشاد قادة الاحتلال الإسرائيلي باغتيال المطارد الفلسطيني أحمد جرار في بلدة اليامون، قرب مدينة جنين، مهددين بمواصلة اغتيال الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات مسلحة ضد كيانهم والمستوطنين، وهنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأجهزة الأمنية على هذه الجريمة، متوعدا «بمصير مشابه «للإرهابي» الذي قتل الحاخام ايتامار بن غال»، في إشارة إلى مقتل مستوطن طعنا قرب مستوطنة أرئيل شمالي الضفة الغربية قبل يومين.
حقيقة لا تعتبر سياسة الاغتيالات جديدة في كيان العدو، فهو استخدمها داخل الأراضي المحتلة وخارجها منذ زمن طويل، وهي دالة على الإرهاب المنظم الذي تقترفه الحركة الصهيونية وكيانها ضد الشعب الفلسطيني.
في هذا السياق نستذكر ما قرره المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر في 3 تموز 2001، من مواصلة لسياسة الاغتيالات والتصفيات ضد المقاومين الفلسطينيين، وذهب المجلس المذكور إلى أبعد من ذلك، حيث أكد أنه لا أحد من الفلسطينيين محصناً أمام الاغتيال، وأعلن أفرايم سينيه، نائب وزير الحرب الأسبق، أكثر من مرة أن جيش الاحتلال سيواصل ضرب الفلسطينيين، وأن الاغتيالات والتصفية الجسدية للفلسطينيين تعتبر وسيلة فاعلة وأكثر دقة من غيرها، على حين زعم الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كتساف في أكثر من مناسبة، أن «اغتيال إسرائيل لكوادر فلسطينية يندرج في إطار الدفاع عن النفس».
إن السياسة الإسرائيلية، تؤكد أن الاغتيال يعبر عن فكر ومنهج منظم لدى قادة الكيان وحكوماته المتعاقبة، ولاسيما أن الكثير من هؤلاء القادة قد شاركوا بالعديد من الاغتيالات، وعلى رأس هؤلاء بعض الشخصيات التي تبوأت منصب رئيس وزراء الكيان، مثل إسحاق شامير وإسحاق رابين وأرييل شارون وشمعون بيريز ومناحيم بيغن واليوم بنيامين نتنياهو، حيث انضووا في إطار العصابات الصهيونية، الهاغانا والشتيرن والأرغون وغيرها.
تهدف سياسة الاغتيال الصهيوني حسب مصادر متعددة إلى كسر حلقات النضال الفلسطيني ووقف هذا النضال، وبث الخوف ونشر الرعب بين الفلسطينيين، وإيهامهم بأن يد هذا العدو العسكرية والأمنية طويلة وتستطيع أن تصل إلى «أكبر رأس» وإلى الجميع، إضافة إلى نشر البلبلة بين صفوف الفلسطينيين والتأكيد لهم أن فصائلهم ومؤسساتهم وأصدقاءهم، جميعهم مخترقون من إسرائيل في كل زمان ومكان، كما تهدف إلى زرع الوهم في العقل الفلسطيني الجمعي حول العملاء وعددهم ومقدرتهم، وأن هؤلاء العملاء منتشرون في كل مكان وبين صفوف جميع التنظيمات وفي كل المؤسسات المحلية والدولية، ومن ثم لا فائدة كبيرة ترجى من هذا الشعب ولا من مؤسساته ولا من أصدقائه ولا من تنظيماته كما تهدف سلطات الاحتلال إلى زرع اليأس والإحباط بين صفوف الفلسطينيين وفي الوقت ذاته لا يجد الشعب الفلسطيني من يفي بوعوده وتهديداته الكثيرة والمتكررة بعد كل عملية اغتيال.
إن الاحتلال هو الاحتلال، لذلك ينبغي أن تتواصل حلقات النضال الفلسطيني بل أن تتصاعد إلى الأمام على الصعد كافة وفي المقدمة منها المقاومة المسلحة، وهذا يتطلب وحدة وطنية فلسطينية ناجزة والتنسيق التام مع حلفاء المقاومة في المنطقة والعالم، فنهج الشهيد المقاوم أحمد نصر جرار، يمثل الجيل الجديد للشعب الفلسطيني، وأن الحملة الشرسة على مدينة جنين «القسام» ليست جديدة وإنما اشتدت بسبب تفرغ الاحتلال الإسرائيلي واطمئنانه إلى أن الساحة العربية والدولية تشجعه عليها، إضافة كذلك إلى الوضع الفلسطيني الرسمي المترهل سواء للسلطة الفلسطينية أو عدم وضوح الرؤية للأحزاب، ما أدى لاستفراده بالضفة الغربية وفق مصدر فلسطيني.
استنتاجا، لا يمكن المراهنة راهنا ومستقبلاً على جولات جديدة من المفاوضات إذا كان الاحتلال يرفض وقف الاستيطان والانسحاب من القدس وحقّ العودة للفلسطينيين، وما الذي تقصده المراجع الأميركية المعنية بالملف الفلسطيني حينما تتحدّث عن «أهمية تقديم التنازلات والتوصّل إلى حلول وسط»، فهل يمكن القبول بـ«نصف انسحاب إسرائيلي» من الضفة والقدس الشرقية و«نصف إزالة للمستوطنات»، و«نصف حل عادل» لمشكلة ملايين اللاجئين، ومن ثم «نصف دولة فلسطينية»؟! وهل ستراهن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومعها حكومة نتنياهو، على استثمار نتائج ما حدث ويحدث في البلاد العربية من تهميش للقضية الفلسطينية ومن تفجير لصراعات وحروب عدوانية، ومن تسريع لخطوات التطبيع «العربي والإسلامي» مع العدو.
تساؤلات باتت تطرح بقوة في ظل «الربيع العربي» في المنطقة ومن قبل مناصري القضية الفلسطينية في العالم، غير أن الرسائل من هذه التطورات ومن سياسة الاغتيالات الإسرائيلية يبدو أنها لم تصل بعد إلى كثير من المعنيين أو ربما وصلت إليهم، لكنهم آثروا سياسة «التطنيش» المعهودة كرد أوحد على كل ذلك.
بقلم/ نعيم إبراهيم