الحرب التي تشن على مدينة القدس من قبل الاحتلال، ربما توازيها الحرب التي تشن على سوريا...فالإحتلال يواصل عدوانه على القدس بشكل يومي، فلا يكاد يمر يوم في القدس دون ما هو جديد في التطاول على حقوق المقدسيون واستهدافهم بشراً وحجراً وشجراً،فكل يوم هدم منازل واخطارات بالهدم ...وكل يوم جماعات ما يسمى بتدفيع الثمن الإرهابية تعتدي على ممتلكات المواطنين وتخط شعارات عنصرية " الموت للعرب" و" ارض إسرائيل" وغيرها ،كما حصل في سلوان وبيت صفافا مؤخراً...ناهيك عن اعتداءات المستوطنين المتكررة والتي كان آخرها محاولة قتل الشاب الفتى المغربي في منطقة باب السلسلة من قبل مستوطنين متطرفين...وطبعاً نتائج التحقيقات ضد مجهولين...فقط عندما تجري احد العمليات ضد مستوطنين او جنود الاحتلال التحقيقات تصل الى مصادرة كل الكاميرات في القدس ومئات عمليات الإعتقال،والتنكيل بكل تجار المنطقة،وإجبارهم على إغلاق محلاتهم،ولكن ما دام العمل ضد عرب فالتحقيقات شكلية ولا تصل الى نتيجة....اما الأقصى يومياً عمليات اقتحام وصلوات تلمودية وتوراتية وحتى استفزاز غير مسبوق من قبل بعض المتطرفين بالصعود الى صحن قبة الصخرة،والاعتداءات على حراس وموظفي المسجد الأقصى،لم تتوقف،حيث يجري اعتقالهم وابعادهم عن الأقصى والبلدة القديمة،وفرض الغرامات المالية الباهظة عليهم،وكذلك الحبس المنزلي...يضاف لذلك كله منع الأوقاف من اجراء اية اعمال ترميم وتصليحات في الأقصى،في توجه وتصعيد خطير لنزع مسؤولية الأوقاف عن الأقصى..اما الحفريات ،فهي متواصلة ومستمرة اسفل وحول الأقصى،كما يجري إحاطته بالأبنية والكنس التلمودية والتوراتية التي تحجب الفضاء والمشهد العربي- الإسلامي...وليبلغ السيل زباه بإدخال رافعة انشاءات ضخمة وتجهيزات أخرى الى ساحة حائط البراق،من اجل تهويد الساحة بالكامل من خلال تنفيذ مشروع ما يسمى بيت الجوهرة " بيت هليبيا"،هذا المشروع التهويدي الضخم،والذي طرح في عام 2005 وجرت المصادقة عليه في 2015،والذي سيباشر تنفيذه في هذا العام،وهو عبارة عن بناء ضخم مكون من ثلاثة طبقات بمساحة اجمالية تصل من 1500 الى 1700 متر مربع،الهدف منه تغيير الطابع والفضاء والمشهد العربي للبلدة القديمة بشكل كلي، فهو يرتفع 4.7 متر عن مستوى ساحة البراق،طبقتان منه فوق الأرض،تحتوي على غرف للدراسة والتعليم،وأخرى للصلاة ومكتبة وصالة زوار وقاعة اجتماعات وغرف للمرشدين...الخ،وعلى سطح الطبقتين "روف" مكشوف جوانبه من الزجاج كمطلة تطل على الأقصى والبراق والبلدة القديمة ...وسيكون المجمع الضخم لجذب السياح والجنود والمستوطنين والمصلين اليهود،والذي ستجري فيه عمليات غسل الدماغ لهم الطبقة التي تحت الأرض حيث سيتم عرض مقتنيات أثرية مزورة كما يدعون انها كانت نتيجة عمليات بحث وتنقيب لسنوات طويلة عن آثار يهودية من فترتي الهيكلين الأول والثاني.وليس هذا فقط،بل في القدس تقام الكثير من المشاريع الإستيطانية،حيث يجري شق الطرق الإستيطانية في عمق الأحياء العربية من أجل توسيع ربط المستوطنات والبؤر الاستيطانية مع بعضها البعض وتوسيع المستوطنات القائمة وإقامة مستوطنات أخرى لكي تصل مساحة القدس الى 10 % من مساحة الضفة الغربية...وبما يعني ضم الكتل الإستيطانية الكبرى من جنوب غربها "مجمع غوش عتصيون" مروراً بمجمع "إفرات" الإستيطاني جنوب بيت لحم،وما تم الإستيلاء عليه من أراض قرية الولجة،والتي ستمهد الطريق نحو ربط مستوطنات القدس بمستوطنات الخليل،ولكي تصل عملية الضم الى المستوطنات الواقعة الى شمال شرق المدينة مستوطنات " جفعات زئيف" و"آدم" وتجمع مستوطنات" معاليه أدوميم" وبما يشمل مستوطنات "ميشور أدوميم" ، "كيدار" " ، متسبيه يريحو" وغيرها.
عملية الضم لهذه المستوطنات،وجعلها تحت مسؤولية ما يسمى ببلدية القدس،يعني ضخ أكثر من 150 ألف مستوطن للمدينة،وبالمقابل، لا بد من قلب الواقع الديمغرافي في المدينة للسكان،حيث تصبح هناك أغلبية كبيرة يهودية،وبما يتطلب ليس ضخ المستوطنين إليها،بل بالضرورة التخلص من اكبر كم فلسطيني مقدسي،ولذلك كانت خطط الإنفصال عن القرى والبلدات المقدسية،وليستقر القرار والموقف بعد الموافقة في " الكنيست" البرلمان الصهيوني بالقراءتين الثانية والثالثة على قانون " القدس الموحدة"،بضرورة العمل على تطبيق القوانين العسكرية الإسرائيلية على القرى والبلدات المقدسية الواقعة خلف جدار الفصل العنصري،وبما يعني ان القوانين العسكرية المطبقة في الضفة الغربية ستطبق عليهم،وسيكونون أمنياً ومدنياً خاضعون للدولة الاحتلال،كما هو الحال في معازل ( سي)،وبما يترتب على ذلك سحب هويات إقامتهم المقدسية،وعدم تقديم أي خدمات لهم من بلدية الاحتلال،وإلغاء كل حقوقهم من تأمين صحي وتأمين وطني ومخصصات بطالة وشيخوخة وغيرها،وهذا يعني سحب الهويات الزرقاء من 100 ألف مقدسي، في مناطق كفر عقب وأجزاء من بلدة قلنديا ومخيم شعفاط ورأس خميس في شعفاط وأجزاء من سكان وأراض السواحرة الشرقية،وتطبيق عمليا الإنفصال وفرض القوانين العسكرية،ستستمر وستشمل القرى المقدسية ذات الكثافة السكانية العالية،والتي يشعر الاحتلال بأنها تصدع له رأسه وتشكل خطراً على أمنه مثل العيسويه،جبل المكبر وصورباهر وبيت حنينا .
ومن اجل عزل مدينة القدس عن محيطها الديمغرافي الفلسطيني بشكل كامل،التهديد والسيف المسلط على رؤوس بدو عرب الجهالين بالطرد من المنطقة المسماة (E1)،والتي بالسيطرة عليها وإقامة أبنية إستيطانية فيها،يتم عزل مدينة القدس بالكامل عن محيطها الديمغرافي الفلسطيني،وفصل شمال الضفة عن جنوبها،بما يقبر ويشطب ما يسمى بحل الدولتين.وواضح أن هذه الخطة سيجري تطبيقها قريباً،حيث للمرة الخامسة هدمت مدرسة تجمع أبو نوار البدوي،وكذلك قيام ضباط ورجال أمن إسرائيليين بالتهديد المباشر لعرب الجهالين بضرورة الرحيل عن المنطقة والإ سيجري هدم بيوتهم فوق رؤوسهم.
الحرب مستعرة ومستمرة على مدينة القدس،فبوابة دمشق التاريخية،يجري تهوديها وتغيير طابعها التاريخي وتشويهه،فالأبراج العسكرية تنصب على مداخلها،وكذلك المزيد من الكاميرات ذات المجسات الحساسة،والمنصات وغيرها،وبما يشمل تغيير الحركة،وبما يمكن من رصد حركة الداخلين والخارجين من البلدة القديمة،وليس هذا فحسب،بل ستصبح هذه البوابة للمصلين اليهود والمستوطنين الذاهبين الى ساحة حائط البراق،ونحن نجزم بأن الأبنية في ساحة البراق هي ضمن سياسة واضحة تمامًا بأن البلدة القديمة هي تحت السيطرة الإسرائيلية، وان الجانب الإسرائيلي يريد أن يخلق له في هذه المنطقة رواية أنه كان في المكان قبل ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف عام.
ونزيف مدينة القدس ومسلسل ذبح سكانها ،لن توقفه لا الشعارات الرنانة ولا الخطب العصماء ولا المؤتمرات وبيانات الإنشاء الصادرة عنها من شجب وإستنكار ولا الإسطوانات المشروخة بأن القدس خط أحمر والعاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية،وهي زهرة المدائن ..الخ،بل ما تحتاجه القدس موقف وإرادة سياسيتين وخطوات عملية ليس فقط لجهة تعزيز ودعم صمود وبقاء المقدسيين مادياً،بل يجب أن تكون خطوات عملية فلسطينية عربية إسلامية،توصل رسالة لأمريكا بالذات بأن موضوعة القدس ستشعل لهيباً في المنطقة سيحصد الأخضر واليابس،ولن يبقى على أي جسور ثقة بامريكا،وبأن مصالحها في المنطقة العربية والإسلامية في دائرة الخطر الجدي،وكذلك الدول التي تقيم علاقاتها وتعقد الإتفاقيات مع إسرائيل بالعلن والسر لا بد من مراجعتها بشكل جذري.
بقلم/ راسم عبيدات