كثير ما نسمع في وسائل الإعلام عن مصطلح الإسلام السياسي وهو ما يطلق على التيارات الإسلامية التي تمارس السياسة على قاعدة الديمقراطية . وهذه التيارات تحاول أن تدمج بين الإسلام والسياسة لهدف الوصول إلى الحكم . ولا أحد يعترض دخول التيارات الإسلامية في معترك السياسة والوصول إلى سدة الحكم فهذا ما يكفله النظام الديمقراطي لكل دولة . ولكن الإعتراض الحقيقي يجب أن ينطلق من قاعدة عدم التلاعب في الألفاظ والمصطلحات . فمن الواضح جدا أن التيارات الإسلامية تستخدم الإسلام كمسمى فقط لكسب أصوات إنتخابية أو جماهير حزبية ليس أكثر . لأنه بكل بساطة ووضوح لا يوجد شيئ إسمه "الإسلام السياسي" فالمسمى الحقيقي يجب أن يكون "السياسة الإسلامية" لأن يجب أن تمارس السياسة على قاعدة إسلامية بعكس ما تقصدة التيارات التي تمارس الإسلام على قاعدة سياسية .
هناك حقيقة مطلقة ومذكورة بالقرآن الكريم وهي أن الإسلام هو الأرضية الخصبة للمارسة جميع مطالب الحياة . يوجد في الإسلام منظومة سياسية وإقتصادية وإجتماعية وعسكرية أيضا . فلم يترك الإسلام شيئ إلا ونظمه ووضع له قواعد للممارسة . وإن هذه القواعد تصلح لكل زمان ومكان حسب ما إتفق وأجمع عليه فقهاء الدين .
وهناك دليل واضح من القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"
هذه الآية الكريمة هي أمر من الله لرسوله أن يقول للناس كافة أن الصلاة لله فقط وهي أساس الشعائر الدينية . وان النسك لله فقط وهي الذبيحة التي نذبحها لوجه الله لا شريك له . ومحياي لله بمعنى أن حياة الإنسان لله . ومماتي لله بمعنى أن المسلم يموت وهو مسلم ومستسلم وخاضع لله وأنه يدفن حسب ما ورد في شريعة الإسلام وفقه الفقهاء المسلمين . فيجب أن نركز في هذه الآية على كلمة تحسم لنا هذا الموضوع وهي "ومحياي" والمقصود منها أن حياة الإنسان كلها لله . وبالتأكيد أن من ضمن هذه الحياة الممارسات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية . وهذا دليل قاطع وواضح بأن الإسلام هو أرض خصبة وقاعدة أساسية لكل الممارسات الحياتية للإنسان ومن ضمنها السياسة . وهناك أيضا عشرات الأدلة من القرآن الكريم على صحة ما أقول ولكني إكتفيت بالآية التي ذكرتها في السياق . وأيضا لو نظرنا للتاريخ قبل ألف وأربعمئة عام أبان الخلافة الراشدة لوجدنا أن رسولنا الكريم كان يسوس الناس في حياتهم اليومية على قاعدة الشريعة الإسلامية . فكان قائدا عسكريا وخبيرا إقتصاديا وسياسيا حكيما . وأيضا في الحياة الإجتماعية كان الأب والأخ والصديق . ومن بعد رسولنا الكريم خلفه الخلفاء الراشدين على نفس النهج . كانوا الخلفاء الراشدين يقودون ويسوسون الناس بكل تفاصيل حياتهم على القاعدة الشرعية والنظام الإسلامي . ومن هنا نقول أن لا فرق بين الإسلام والسياسة . ولكن هناك فرق بين التسميات التي تستخدمها التيارات الإسلامية في عصرنا الحالي ومن أخطرها مصطلح "الإسلام السياسي" وهو يعني أن ممارسة الإسلام على قاعدة سياسية وهذا بالطبع باطل ومخالف للمعنى الحقيقي للإسلام.
من الأخطاء الشائعة للتيارات الإسلامية إستخدام مصطلح الإسلام السياسي . وهو دليل قاطع وواضح على إدانتها ووقوعها في الخطأ . لأن تعزيز هذا المصطلح عبر وسائل الإعلام يعني أن هذه التيارات تمارس الإسلام على قاعدة سياسية وديمقراطية بعكس المعنى الحقيقي لعلاقة السياسة بالإسلام . وما أساسه باطل فهو باطل بلا جدال . فإذا كان النظام الديمقراطي لا وجود له في النظام الإسلامي فكيف نتخذه قاعدة اساسية لممارسة الإسلام . فكلنا نعلم أن الإسلام يعتمد على نظام الشورى وكلمة ديمقراطية بالأصل جاءت من الفلسفة اليونانية .
ومن باب الإنصاف لا أريد أن أسيئ الظن بكل التيارات الإسلامية . فمنها من يتلاعب بالمصطلحات وهو يعلم الحقيقة . ومنها من لا يدرك ما يقول بسبب الجهل .
من الواضح جدا أن نسبة الجهل وعدم الوعي في الوسط العربي كبير جدا وخاصة في الأمور المتعلقة بالشريعة ونظام الحكم . وهذا الجهل بسبب أن الشعوب العربية غير قارءة وغير مطلعة وغير مهتمة بشريعتها . وهذا ما أدى إلى إتساع رقعة الأخطاء وخلق الأوراق وقلب المفاهيم .
بقلم/ أشرف صالح