القدس قلب فلسطين ... هكذا ننقذها

بقلم: بسام أبو عليان

استغلت إسرائيل إعلان الرئيس الأميركي نقل سفارة بلاده إلى القدس كفرصة لاستكمال عملية التطهير الحضاري لمدينة القدس الفلسطينية على طريق تهويدها في شكل خاص.

في ضوء ذلك، فإن إسقاط القرار الأميركي يستدعي مواجهته في الميدان الذي من المفترض أن يتجسّد فيه ومنعه من تكريس مفاعليه في مدينة القدس بالتحديد. ومن أجل وصول الحكومة الإسرائيلية إلى هذه الغاية تحرّكت سريعاً على مستويين:

أولاً: على المستوى السياسي، حيث بدأت تتواصل مع عدد من الدول من أجل إقناعها بالالتحاق بالخطوة الأميركية، ونقل سفاراتها إلى القدس، والترويج إلى أن القرار يؤسس لمرحلة جديدة تمهد لإرساء السلام في المنطقة.

ثانياً: على المستوى العملي، باتخاذ الإجراءات التنفيذية على قاعدة أن القدس أصبحت بموجب القرار الأميركي "عاصمة" لإسرائيل التي من حقها أن تصوغها بالشكل الذي تريد. وعليه صادقت الحكومة الإسرائيلية على بناء 14 ألف وحدة استيطانية بعد يوم واحد من صدور القرار. ومن المتوقّع أن تمضي حثيثاً في هذا الاتجاه مستهدفة القدس أرضاً وإنساناً وثقافة لإنجاز ما يمكن إنجازه على طريق تهويد المدينة.

على أثر هذه التطورات، فإن هزيمة القرار الأميركي تستدعي مواجهته في الميدان الذي من المفترض أن يتجسّد فيه، ومنعه من إنتاج وتكريس مفاعليه في مدينة القدس بالتحديد، الأمر الذي يجعل تعزيز صمود أهلها مهمة عاجلة. ومن أجل توفير الأسس اللازمة لهذا الصمود لا بدّ من برنامج مقاومة شاملة يسمح لجميع القوى الحيّة، العربية والإسلامية والإقليمية والدولية المساندة، بالمساهمة الممكنة في توفير الدعم للاشتباك الفاعِل مع مشروع التطهير الحضاري الصهيوني في القدس، والذي بات أكثر ديناميكية بعد صدور القرار الأميركي. وهنا بعض الاقتراحات العملية:

1 ــــ المستوى الفكري والسياسي: اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية بالمعنيين السياسي والأخلاقي، بما يترتب عليه من وعي التهديد الذي يمثّله الكيان الصهيوني والقرار الأميركي، كتهديد مركزي للوجود الإنساني، وإن نضال الشعب الفلسطيني يمثّل الحلقة المركزية في سلسلة المعارك الأخلاقية الكبرى في التاريخ المعاصر. والسعي إلى بلورة أشكال تنظيمية موحدة يلتقي عندها وفيها الديني والقومي والوطني والإنساني. وتتجاوز كل الأشكال والصيغ المذهبية والطائفية. وتتصدى لكل السياسات التي تساعد وتغطي على عملية التطهير الحضاري لمدينة القدس الفلسطينية. ومنها القرار الأميركي بكافة مضامينة.

2 ـــ المستوى الاقتصادي: ويتعلق بتقديم الدعم المباشر لكل أهالي القدس الفلسطينيين، من أجل تعزيز صمودهم، عن طريق إنشاء صندوق شعبي لدعم مدينة القدس يتم تمويله في شكل أولي عن طريق اقتطاع جزء من أموال الزكاة باسم زكاة القدس. ومن طريق الوقف والتبرّعات الشعبية. وعن طريق إيجاد الوسائل لترويج منتجات سكان القدس في مختلف البلدان بإقامة المعارض والأسواق السنوية.

3 ــ المستوى الثقافي والاجتماعي والتربوي: أن تقوم المؤسسات العربية- الوزارات وغيرها- بدعم أحدى المؤسسات المقدسية في مجال اختصاصها.

4 ــ على المستوى المؤسساتي: إقامة علاقات توأمة بين المؤسسات المقدسية بشكل عام ومنظمات المجتمع المدني بشكل خاص والمؤسّسات العربية والدولية النظيرة.

5 ـــ المستوى القانوني: العمل على توفير الدعم القانوني لسكان القدس بالتنسيق مع منظمات حقوقية دولية مُناصِرة. والاستفادة من القرارات الدولية التي تعتبر جميع الأعمال التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية لفرض قوانينها وتشريعاتها وإدارتها على المدينة المقدّسة هي أعمال غير قانونية.

6 ـــ المستوى الإعلامي: توحيد استخدام المصطلحات الإعلامية ومصطلحات الأماكن، وتمويل حملات إعلامية لشرح الأخطار المُحدقة بالقدس، وإنتاج برامج وأفلام تسجيلية تتناول التعريف بالقضية الفلسطينية وبمدينة القدس.

7 ــ على مستوى الأدوات: تشكيل اللجنة الشعبية العربية لحماية القدس ووضع الأسس لبنائها كصيغة بديلة للجنة القائمة بطابعها الرسمي العاجز والتي لم تقدّم شيئاً للمدينة.

8 – القيام بالعمل التوثيقي في تأريخ الخرائط المختصة بالقضية الفلسطينية عامة وبمدينة القدس على وجه الخصوص، والذي يمثل محوراً مهماً في إطار "حرب المعلومات" الدائرة حول هذه القضية، لا سيما المتعلقة بسعي اسرائيل لطمس وتهويد كل ما له صلة بفلسطين وشعبها.

إن المشروع الاستعماري يعمل على إنكار وطمس فلسطينية القدس وعروبتها، معتمداً على المكر والدهاء، ومستعيناً بأدوات متعددة في الشكل والصورة والطريقة، منها الأداة التوراتية والوعد فيها، والتاريخية المزورة، وكذلك الأدوات السياسية والاقتصادية المؤدلجة صهيونياً.

وعلينا أن نعترف بأنه، وفي الوقت الذي كان فيه المشروع الصهيوني يسير قُدماً في أدواته المتعددة بهدف تجسيده في الأرض الفلسطينية، كان الدور العربي والإسلامي الرسمي غائباً عن تلك الأدوات، وبعيداً من معركة البحث العلمي التنقيبي بهدف تثبيت الرواية الفلسطينية وحق الفلسطيني في أرضه ووطنه، خصوصاً الغياب العملي عن مدينة القدس، قلب الجغرافيا في فلسطين، ولم يتم تتبع هذه المدينة الكبيرة من العهد الكنعاني إلى العهد الراهن عبر الخرائط والملاحق المبرهنة على أحقية الشعب الفلسطيني بهذه الأرض.

بسام عليّان