في مثل هذا اليوم قبل أربعة وعشرين عاما إرتكب مجرم إرهابي صهيوني اسمه باروخ جولدشتاين مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، فقتل تسعة وعشرين شهيدا من المصلين الفلسطينيين، وهم يؤدون صلاة فجر الخامس عشر من شهر رمضان، وجرح مائة وخمسين مصليا آخر، قبل أن يلقى حتفه على يد المصلين .
أصغر الشهداء كان الطفلان جبر أبو سنينية ورامي الرجبي وكان عمر كل منهما أحد عشر عاما، وأكبرهم كان عبد الحق الجعبري و عمره خمس وخمسون عاما.
القاتل كان طبيبا ، ولكنه كان مستوطنا تشرب الفكر الإرهابي في مستعمرة كريات أربع قرب الخليل، وتعاون معه ضباط وجنود الإحتلال الذين تعمدوا إغلاق أبواب الحرم ليمنعوا خروج المصلين الخمسمئة وهم يتعرضون لإطلاق الرصاص.
واستكمل جيش الاحتلال الجريمة فقتل ستين شهيدا آخر خلال المظاهرات التي جرت إحتجاجا على المجزرة، ورغم إصدار مجلس الأمن في حينه قرارا بإدانة المجزرة و بنزع سلاح المستوطنيين، إلا أن الأمور سارت في الإتجاه المعاكس، فعوقبت الضحية بدلا من المجرمين.
اذ قسم الحرم الإبراهيمي وحرم المسلمون من الصلاة في الجزء الأكبر منه معظم أيام العام، وتم إغلاق شوارع الشهداء والسهلة وسوق الحسبة وخان الخليل وخان شاهين وأغلق معها 1800 محل تجاري حتى اليوم، وأنشأ الإحتلال ما أصبح فضيحة التمييز العنصري والأبارتهايد الأسوأ لصالح 400 مستعمر مستوطن وعلى حساب أربعين ألفا من سكان البلدة القديمة في الخليل.
وزاد إتفاق تقسيم الخليل، الذي عقد مع الإحتلال في عام 1997 بإنشاء منطقة H2 الطين بلة.
وبدل أن يستفيد الجانب الفلسطيني من الإحتجاجات العالمية، والإستهجان الشامل لتلك الجريمة البشعة، ويصر على طرد المستوطنيين من مدينة الخليل بالكامل، تورط في إتفاق تقسيم الخليل الذي نرى آثاره البشعة قائمة أمامنا اليوم.
والآن تلاحق إدارة ترامب وحكومة إسرائيل الجانب الفلسطيني لأنه يدفع مخصصات لعائلات شهداء المجزرة، وتسميهم إرهابيين ، أما باروخ جولدشتاين فقد اصبح قبره مزارا للمستعمرين الإسرائيليين وتُدعمُ عائلته من حكومة الإحتلال دون أي انتقاد أميركي.
تعرضنا أول أمس الجمعة، أثناء تظاهرنا في ذكرى المجزرة أمام الحرم الإبراهيمي، مجددا لقمع جنود الإحتلال ، وأتحفتنا إدارة ترامب بقراراها الاستفزازي نقل سفارتها للقدس في يوم الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطيني .
فما هي العبرة من كل ذلك، وما الذي تعلمنا إياه كل هذه التجارب؟
أولا أن من لا يدافع عن حقهِ ، يسلبُ حقهُ ، ومن يتكل على التفاوض مع أعداء، لا يرحمون ضعفه، يخسر كل شيء .
وثانيا أن من المحرم التفاوض على الحقوق ، وإن كان لا بد من مفاوضات فيجب أن تكون على تطبيق الحقوق ،وليس على الحقوق نفسها .
وثالثا، أن التراخي في مكان أو موضوع يلحق الأذى بكل الأماكن وبكل المواضيع .
لن تضيع حقوقنا في الخليل وفي الحرم الإبراهيمي وفي القدس لأن هناك شعبا ، ومناضلين يصرون على المقاومة والكفاح ويرفضون الذل والمهانة، والانبطاح، ولن تضيع الخليل بسبب بسالة وصمود أهل الخليل.
ولكننا لن نسترد حقوقنا إن لم نجد السبيل لتوحيد طاقاتنا، والتخلي عن النهج الذي فشل، وتبني النهج الذي جربته كل الشعوب التي ناضلت من أجل حريتها، وكرامتها وانتصرت.
بقلم د. مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية