تفتقر الانتخابات النيابية المقررة، بعد تأجيل طويل، في السادس من شهر أيار المقبل إلى “الحرارة” التي كانت تواكب أي انتخابات، تقليدياً.
لقد طغى الاستقطاب الطوائفي على الحيوية السياسية التي كان يتميز بها اللبنانيون، والتي تتجلى بشكل واضح في الانتخابات، كل انتخابات، سواء أكانت نقابية، ام طالبية، ام نيابية على وجه الخصوص.
بين أبرز الأسباب التي تفرغ الانتخابات المقبلة انعدام فرص التغيير بالوسائل الديمقراطية… فلقد اندثرت، تقريبا، الاحزاب العلمانية المفتوحة امام مختلف الطوائف والمذاهب، والتي لا ينحصر جمهورها في إطار مذهبي محدد.
كذلك فقد اندثرت مختلف المؤسسات المدنية الجامعة، لا سيما النقابية منها: غاب الاتحاد الوطني لطلبة لبنان الذي كان يجمع الجيل الصاعد من ابناء اللبنانيين في اطار غير طائفي، وغابت معه “حركة الوعي” بإطارها الشبابي الجامع..
وضرب الوهن الاتحاد الوطني لنقابات العمال بسبب التشققات الطائفية والمذهبية المموهة بالافتراق السياسي..
ليس في لبنان اليوم من “مؤسسات شعبية” الا تلك التي ابتدعتها الاحزاب والحركات السياسية الطوائفية للتمويه على اللبنانيين بأنها تجمعهم كلهم في حين تشير الحقيقة إلى انها تضع بعضهم في مواجهة البعض الآخر.
حتى من يعتبرون أنفسهم “علمانيين” سحبتهم “منظمات المجتمع المدني” اولاً “N.G.O” إلى الفلك الدولي، فغادروا وطنيتهم وانخرطوا في لعبة اممية تلغي الشعوب بهوياتها الاصلية ومطامحها المشروعة، وتحول الشباب الطامح إلى التغيير إلى خلايا تخدم ـ من حيث تدري او لا تدري ـ اغراض الغير.
كيف نأمل من الطائفيين أن يقتلوا مصدر حياتهم ونفوذهم ومنافعهم: الطائفية؟!
كيف نطلب من المنتفعين من النظام الطوائفي القائم أن يقتلوا البقرة الحلوب التي تغذيهم و”تحميهم” وتسفه الثورة والثوار وكل احتمالات التغيير بأنها خروج على الارادة الالهية التي شاءت لهم هذا القدر؟!
اندثرت الحركة الشيوعية التي كانت “أم الثورات” بعنوان “الثورة البولشيفية” في روسيا، والتي تمددت بقوة لحرب فابتدعت “المعسكر الاشتراكي” الذي هزم في مواجهة اندفاع التقدم الرأسمالي المعزز بأحدث مبتكرات التقدم العلمي (الكومبيوتر ومشتقاته وصولاً الى الآي فون..)
وهزمت الغفلة معززة بالتآمر الامبريالي الحركة القومية، مرة اولى، بضرب مشروع دولة الوحدة في العام 1961، ومرة ثانية بإجهاض مشروع حرب التحرير بعنوان فلسطين في الخامس من حزيران 1967..
ثم جاءت الكارثة القومية بالتواطؤ على حرب تشرين (اكتوبر) 1973 وتجميد انور السادات هجوم الجيش المصري الشجاع والحاقه الهزيمة، في الايام الاولى، بجيش العدو الاسرائيلي، بينما الجيش السوري يتقدم في الجبهة الشرقية وصولاً إلى بحيرة طبريا، وهكذا تفرغ جيش العدو لمواجهة الجيش السوري وحيداً، وكان ما كان من اتفاقات فك الاشتباك، وصولاً إلى “معاهدة الصلح” التي عقدها السادات مع العدو الاسرائيلي واخرج بذلك مصر من ميدان الصراع الاصلي من اجل الغد العربي الافضل.
وهكذا عاد النفط (والغاز) إلى الساحة “مكبراً” دولاً هامشية وصغرى على حساب الدول صانعة التاريخ… لا سيما بعد سقوط العراق نتيجة مغامرات صدام حسين البائسة التي انتهت بإسقاطه واعدامه بطريقة فظة لتكون منطلقاً للفتنة الطائفية والمذهبية التي استولدت “داعش” وسائر المنظمات الارهابية لتقاتل كل من وما هو “قومي” و”وطني” و”تقدمي” وغير طائفي وغير مذهبي..
وهكذا عوضت دولة العدو الاسرائيلي بعض خسائرها، واندفعت تتغلغل وتنفذ إلى الدول العربية، لا سيما الخليجية، موظفة المذهبية والطائفية، بعنوان “ضرورة التصدي للمشروع الايراني” بل “الفارسي”، “وحماية الامة بهويتها الاصلية”، وذلك في الاحضان الاميركية.
تم تصوير “حزب الله” بمجاهديه البواسل الذين اجلوا الاحتلال الاسرائيلي في ايار العام 2000، ثم قاتلوه حتى هزموه في حربه على لبنان في صيف العام 2006، على انه “حزب شيعي” بل وكادوا يجعلونه “جالية فارسية” متناسين تضحياته الغوالي من اجل حماية لبنان والحاق الهزيمة بعدوه القومي ودوره المميز في الداخل بمنع الفتنة.. وحماية النظام، الذي قبله مرغماً.
طلال سلمان