اللقاء الذي عقد في بروكسل بين الأمين العام لجامعة الدول العربية ولجنة المتابعة العربية مع نظرائهم الأوروبيين، والذي يهدف إلى الترويج لمبادرة السيد محمود عباس التي طرحها في الأمم المتحدة قبل أيام، واستنهاض موقف أوروبي مسبق، رافض لصفقة القرن التي نضجت على نار هادئة، طوال عام مضى من جس النبض الأمريكي، وقراءة ردة الفعل العربية والفلسطينية، والتي لم تتجاوز إطار الشجب والاستنكار لقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة الصهاينة.
لقاء بروكسل بين المجموعة العربية التي تضم مصر والأردن والإمارات والسعودية والمغرب وفلسطين، وهي بمجملها دول عربية لها ارتباطاتها الوثيقة مع أمريكا، وهي جزء من الحلف الاستراتيجي التي تسعى أمريكا لنظمه في الخيط الإسرائيلي، بهدف محاربة أيران، أو التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة كما يزعمون، وهذا مؤشر جلي على أن نتائج اجتماعات لجنة المتابعة العربية مع الدول الأوروبية لن تعطي تماراً سياسية غير تلك التي تراها أمريكا، رغم الطلب الرسمي العربي بتحرك أوروبي يسبق إعلان الإدارة الأميركية عن خطتها للسلام في الشرق الأوسط، والتي تشير التسريبات إلى أنها خطة لا تهدف إلا لتصفية القضية الفلسطينية؛ دون أن تقدم حلولاً شبه منصفة لقضية اللاجئين والدولة والحدود والمستوطنات والقدس، التي صارت تحت السيادة الإسرائيلية بالواقع أولاً، وبالقرار الأمريكي ثانياً.
الاتحاد الأوروبي حتى اللحظة لم يخرج من العباءة الأمريكية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد تراجعت أوروبا عن وعدها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية جراء ضغوط أمريكية وإسرائيلية، رغم تمايز الموقف الأوروبي عن الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالقدس والمستوطنات وحل الدولتين، إلا أن الموقف الأوربي لا يرتقي إلى درجة المواجهة في طرح حل يتعارض مع الخطة الأمريكية، ولا قدرة لأوروبا كلها في تشكيل موقف ضاغط على إسرائيل دون أمريكا، لذلك كان الموقف الأوروبي في بروكسل هو الانتظار، ريثما تطرح إدارة ترامب خطتها، ليكون لها موقف.
الموقف الأوروبي يعود بنا إلى الذاكرة القريبة جداً، حين أعلنت فرنسا عن نيتها في طرح مبادرة للسلام، للتغلب على حالة الجمود التي سادت إثر توقف المفاوضات 2014، وقد سافر السيد عباس إلى فرنسا 2015 عدة مرات، وأجل طرح القضية الفلسطينية على طاولة الأمم المتحدة انتظاراً للمبادرة الفرنسية، دون جدوى، فقد ارتجفت فرنسا، وأدركت أن لا قوة لها، ولا حيلة.
إن قوة إسرائيل على الأرض، وقدراتها الدبلوماسية والاقتصادية التكنولوجية والعلمية والإعلامية، وقدرتها على حشد قوى الضغط الدولي ضد أي مبادرة لا تتناغم والاطماع الإسرائيلية، هي الحقيقة الراسخة التي تأخذها أوربا بعين الاعتبار، ولا يمكن أن تتجاوزها مهما كانت التوسلات العربية، إن التقاء المجتمع الإسرائيلي على قلب طمع واحد، وعلى كلمة باطل واحدة، يعتبر أكبر معزز للموقف السياسي لإسرائيلي المتشدد، والذي يفرض نفسه على الاتحاد الأوروبي، وهو الذي يملي سياسية الأمر الواقع على الإدارة الأمريكية نفسها، والتي تحسب خطواتها، وتقيس قراراتها ومبادرتها بمقياس موازين القوى على الأرض.
ودون أن يدرك العرب والفلسطينيون هذه الحقيقة، ستظل لجنة المتابعة العربية تذر الرماد في عيون الباحثين عن حلول سياسية دون حشد القوى، ودون انهاء الانقسام العربي والفلسطيني، ودون الابتعاد عن تأثير اللوبي الإسرائيلي الذي اقتحم خدر القرارات العربية، حتى باتت إسرائيل حليفاً استراتيجياً لبعض الدول العربية المشاركة في لجنة المتابعة العربية التي تناقش مع الاتحاد الأوروبي سبل تجاوز صفقة القرن الأمريكية التي تخدم الأطماع الإسرائيلية.
وإلى أن يدرك الفلسطينيون أن حل الصراع مع العدو الإسرائيلي لا يتحقق في بروكسل، ولا ينتهي في واشنطن، وإنما يبدأ من شوارع رام الله والقدس ونابلس وبيت لحم، من هنا يبدأ تغير موازين القوى، ومن هنا يبدأ الحراك الأوروبي بحثاً عن حلول، وعن مؤتمرات دولية لتسكين حالة الثورة والغضب التي تشتعل في الضفة الغربية، ودون ذلك، فإن أوروبا غارقة في عسل الهدوء على أرض فلسطين، وأمريكا تدندن بألحان صفقة القرن على الناي الإسرائيلي.
د. فايز أبو شمالة