شاء القدر قبل أسبوعين أن أكون شاهدا على عقد قران لأحد الأصدقاء المقربين لي في إحدى المحاكم الشرعية في العاصمة عمان ، وكنت عقدت العزم على أن أكون مسرورا برفقة صديقي في ذاك اليوم ، رغم حجم الكآبة التي تسيطر على مجتمعنا وأفراده هذه الأيام لسوء الظروف المعيشية والاقتصادية في بلادنا ولما يدور في محيط بلادنا من مآسي وحروب .
لكن للأسف ما حصل من قبل المأذون الشرعي في هذه المحكمة جعلني أخلف وعدي مع نفسي وأعود لحالة الكآبة والإحباط والتي يبدو أنها باتت ملازمة لكل مواطن أردني ، فالذي حصل وبكل بساطة أنه بعد انتهاء المأذون من إتمام عقد الزواج قام العريس بسؤال المأذون عن الرسوم المطلوبة منه لقاء هذا العقد وعند إجابة المأذون على سؤال صديقي العريس أصابتني حالة من الغثيان والاشمئزاز ، حيث كانت إجابته حرفيا (( البعض يدفع سبعون دينارا والبعض ثمانون أو ستون دينار )) والاشمئزاز والغثيان كانا لأنني اعلم كم هي رسوم عقد الزواج مسبقا وهي أربعون دينارا فقط .
وأمام هذا الموقف ما كان من صديقي إلا أن دفع له سبعون دينارا كمتوسط لما طلب ، ولدى خروجنا من مكتب المأذون ولكي لا أكون مخطئا أو ظالما بخصوص قيمة الرسوم ذهبت لديوان المحكمة وسألت عن قيمة الرسوم فأكد لي موظف الديوان بأن رسوم عقد الزواج هي أربعون دينارا فقط ، فعدت لصديقي واستنكرت عليه قيامه بدفع هذا المبلغ كونه زائدا عن الرسم الحقيقي بثلاثين دينارا ، وكان رد صديقي علي بأنه لا يريد أن يظهر أمام أنسباءه وزوجته بمظهر البخيل رغم انه بداخله غير راض عن هذا الفعل بل ومغتاظا مما حصل ولكن هذا ما كان .
هنا أعود للحديث عن صلب الموضوع ألا وهو فعل وسلوك مثل هذا المأذون الشرعي والذي بينه وبين علوم الشرع ما بيني وبين علوم الذرة أو الفضاء ، سواء من ناحية طريقة طلبه للمبلغ والرسوم أو من ناحية قيمة الرسوم ، فمن وجهة نظري ما حصل لا يعدو كونه طلبا للرشوة ولكن بطريقة مبطنة ومقنعة أو كما يقول العامة ( طلب رشوة بالعقل ) وهذا الفعل غير جائز لا شرعا ولا قانونا ، فهذا المأذون موظف رسمي وله راتبه الذي يتقاضاه لقاء عمله هذا ، وخاصة عندما يقوم بعقد قران داخل المحكمة وأثناء ساعات الدوام الرسمي له ، فلماذا يطلب زيادة على الرسوم !
قد يقول البعض بأن المبلغ الزائد هو إكرامية للمأذون ، ولكن ورغم اختلافي مع هذا الرأي إلا أنني سأقبل به على مضض ، لكن هل الإكرامية تطلب طلبا وبشكل مباشر أم يدفعها الشخص من تلقاء نفسه وليس خجلا ! وهل بهذه الطريقة المقززة اختلف المأذون عن أي موظف يطلب الرشوة بشكل مباشر ! بالتأكيد لا يوجد فرق هنا إلا أن الموظف الآخر كان أكثر شجاعة من المأذون وطلب رشوته بشكل مباشر من غير مواربة .
بعد هذا الذي حدث إمامي حاولت أن استقصي حول هذا الموضوع فوجدت الكثير ممن اعرفهم وممن تحدثت أمامهم يؤكدون أن هذا الفعل شيء متعارف عليه وسلوك متداول في غالبية المحاكم الشرعية في بلدنا ، عندها لمت نفسي كثيرا على انتقادي واتهامي الدائم لمن يتعاملون بالرشوة في بلدنا بالفساد ، إذ كيف لنا بعد هذا الفعل أن ننتقد من يرتشي في أي دائرة كانت من دوائرنا الحكومية بعدما شاهدنا من يحمل مؤهلا علميا شرعيا والذي من المفترض أن يكون قدوة لغيره من الموظفين يقوم بمثل هذا الفعل المشين !
رسالتين أوجههما من خلال هذا الموضوع : الأولى لفضيلة قاضي القضاة لمتابعة ما يحدث في المحاكم الشرعية والعمل على اجتثاث هذا السلوك وكل من يمارسه لأنه يسيء لكل موظفي هذه الدائرة والتي يفترض كما أسلفت أن يكون موظفيها قدوة لباقي موظفي الدولة !
أما الرسالة الثانية فهي موجهة لكل مقدم على الزواج ويجد نفسه في مثل هذا الموقف بأن لا يشعر بالخجل والحرج وأن يقوم بدفع الرسوم المطلوبة فقط وان لا يزيد عليها فلسا واحدا ، لأن استمرار الحرج والخجل في مثل هذه المواقف يدعم ويشجع أمثال هذا المأذون على الاستمرار في طلب الرشوة من خلال هذا السلوك السيئ والمرفوض دينيا وأخلاقيا .
ملاحظة : احتفظ باسم المحكمة واسم المأذون الذي قام بهذا الفعل لدي حتى لو تنطح احدهم لاستنكار ونفي ما كتبت أستطيع إثباته وبوجود كل من كان في مجلس العقد الشرعي .
ماجد عبد العزيز غانم