تتكرر كثير من التصريحات الامريكية وعلى مستويات مختلفة ان ترامب اقترب من الاعلان عن صفقة القرن ,تلك الصفقة التي بنيت على اساس تفوق اسرائيل وبقائها دولة خارج كل القوانين في منطقة الشرق الاوسط بل وبنيت على اساس المشروع الصهيوني الكبير الذي يؤسس لدولة يهودية قوية بالمنطقة وابقاء باقي القوي الاقليمية قوي منقسمة ضعيفة غير قادرة على تثبيت حكمها في بلدانها تقضي عقود في محاربة ما يسمي الارهاب الذي تم صناعته بذكاء خارق . اخر هذه التصريحات كانت من قبل الضلع الثالث في المثلث اليهودي بالإدارة الامريكية نيكي هايلي مندوبة واشنطن بالأمم المتحدة التي قالت ان ادارة ترامب تشرف على الانتهاء من اعداد خطة السلام الامريكية لحل الصراع , وكان وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسون خلال زيارته الاخير للأردن قد قال ان خطة جديدة للسلام في الشرق الاوسط تعمل عليها الادارة الامريكية بلغت مرحلة متقدمة جدا وان ترامب سيقرر متي سوف يعلن عنها, هذا يعني اننا على وشك معرفة كل ما تتضمنه تلك الخطة التي باتت في حكم المؤكد ,بل و اوساطا سياسية كبيرة في البيت الابيض اليوم تعمل وتدفع باتجاه الاسراع في الاعلان عنها وخاصة بعد اعلان الرئيس ابو مازن عن خطة سلام فلسطينية قدمها للعالم من على منبر مجلس الامن فبراير الماضي .
يبدو ان الادارة الامريكية بالفعل تريد الاعلان عن الصفقة في غضون الاشهر القليلة القادمة وهذا ما يفسر رسالة محمد بن سلمان للرئيس ابو مازن والتي حملت معاني عديدة مع ان الافصاح عما جاء فيها كان مجرد كلاما اعلاميا فقط ,الا انني اعتقد ان الرسالة جاءت كمحاولة من محمد بن سلمان لإقناع ابو مازن القبول بالدور الامريكي الجديد في علمية السلام واعتقد ان محمد بن سلمان ابلغ ابو مازن في رسالته ان الامريكان حسنوا كثيرا من شروط الصفقة و خاصة بعد معارضة السعودية لموضوع اعلان ترامب الاخير ونقل السفارة .ما بات متوقعا بقوة ان الصفقة سيتم الاعلان عنها قريبا من خلال مؤتمر دولي صوري تهيئ له واشنطن مع بعض من حلفاءها من دول الاقليم والعالم وقد يكون المؤتمر في احدي الدول العربية التي تمثل مركز ومحور تأثير على القيادة الفلسطينية , ولعل ارسال ادارة ترامب دعوات لبعض القادة العرب لقمة امريكية عربية بحضور فلسطيني يأتي في اطار الخطوات العملية التي تقودها ادارة ترامب لإخراج صفقة ترامب من حالة الحصار التي فرضت عليها على اثر اعلان ترامب الاخير القدس عاصمة لإسرائيل وما تلي بعدها من اجراءات امريكية للإسراع في مقل السفارة الامريكية في تل ابيب الى القدس .
الاسبوع الماضي نشرت بعض التسريبات الهامة فيما بتعلق بصفقة القرن واليات حل الصراع وهذا تسريب مقصود ويكمن وراءه هدف خطير ودقيق تريد الولايات المتحدة الامريكية ان تفحص اولا مدي قبول الفلسطينيين لتلك الافكار وثانيا تريد ان تهيئ للصفقة في اطار ان ما سيتم الاعلان عنه لن يشكل صدمة للعرب وللفلسطينيين بشكل خاص وبالتالي تقل نسبة رفض المشروع ,القمة الامريكية العربية المتوقعة دليل على ان الادارة الامريكية تريد ان تهيئ الجمهور العربي الى ذلك وتريد ان تعلم الشعوب العربية عن الصفقة ليس من خلال قادتها بل من خلال الاعلام قبل ذلك بكثير , الان تنشغل الادارة الامريكية في توظيف كلما تملك من ادوات وعناصر ومحركات وعرابين ومنسقين للسياسة الامريكية على كافة الاتجاهات مع الفلسطينيين والعرب ومصر والاردن ودول الخليج العربي لتسويق الحل الامريكي للصراع باعتباره الحل الامثل والقائم على حل الدولتين والقرارات الشرعية الدولية وما الى ذلك .
صحيفة الشرق الاوسط اللبنانية كانت قد كشفت قبل فترة ان واشنطن تنوي عرض خطتها في اطار مؤتمر دولي يعقد في احدي الدول العربية ورجحت ان تكون مصر او الاردن ولن تكون السعودية بالطبع لان اسرائيل سوف تدعي الى المؤتمر باعتبارها طرف الرئيس ولم تبرم السعودية معاهدات سلام او تفاهم مع اسرائيل بعد , واذا قررت امريكا عقد المؤتمر خارج الولايات المتحدة فان المؤتمر سيعقد يعقد في احدي دول الاقليم التي ابرمت معاهدات سلام مع اسرائيل كالأردن او مصر , ولعل وصول ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان للقاهر في زياره تباحثية هامة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي قد تكون في هذا الاطار , وانا لا استبعد كثيرا هذا لان كل المؤشرات تدلل ان واشنطن تسعي وتحشد لمؤتمر دولي صوري تقوده ادارة ترامب وتهيئ له بكل دقة لتعرض الصفقة بعد ان تكون حصلت الادارة الامريكية على الموافقة المبدئية لتلك الدول في القمة التي ستعقد في واشنطن قريبا , عندها تشكل اليه لتحقيق بنود الصفقة التي بدأت بالفعل بمجرد ان اعلن ترامب القدس عاصمة لإسرائيل وبمجرد ان اتخذت وزارة خارجيته قرار بنقل السفارة الامريكية الى القدس بحلول مايو ايار القادم .
آيا كان المؤتمر ومتي كان فانه مؤتمر صوري بني على اساس امتصاص الغضب الفلسطيني و الرفض للصفقة ولا يمثل سوي طاولة امريكية بجرسونات عرب تتقن تقديم الطعام على اساس الطبخة الأمريكية التي لم يشترك العرب في صناعتها او تحضيرها بل من صنعها وطبخها طاقم يهودي صهيوني بامتياز (جاريد كوشنر و جيسون غريمبلات وديفيد فريدمان) السفير الامريكي في تل ابيب و(نيكي هايلي) مندوبة امريكا في الولايات المتحدة الامريكية وما علي الحكام العرب بمن فيهم الفلسطينيين الا ان يأكلوا دون مناقشه ودون ان يقولوا شيئا عن مرارة الطعم وكراهية رائحته , لعل ما بات مفهوما ان تلك الصفقة هي لتصفية القضية الفلسطينية بغطاء وتعريب عربي وتغير خطير في الخارطة الجيوسياسية بالمنطقة لتصبح اسرائيل الدولة القوية التي تفرض وصايتها على الجميع وبالتالي يحق لها مشاركة العرب في ثرواتهم وامنهم واستقلالهم ويحق لإسرائيل ان تدوس على رؤوسهم وتهتك عرضهم وتبيع شرفهم وتزور تاريخهم .
بقلم/ د.هاني العقاد