عملية الشهيد كمال جنبلاط في ذاكرة المناضلين

بقلم: عباس الجمعة

تحضرني الذكرى السنوية لابطال عملية الشهيد كمال جنبلاط ، هذه العملية البطولية لنسور جبهة التحرير الفلسطينية في السابع من اذار عام 1980، حيث استشهد فيها الشهيد البطل غسان الكاخي في منطاده الهوائي ،وأسر فيها جمعة خلف اليوسف، وعبد الحليم محمد حافظ ، من خلال عمليتهم البطولية بالطيران الشراعي ،حيث كانت هذه العملية ناجحة حسب الخطة المرسومة لها، إذ هبطت طائرتين داخل معسكر للصهاينة بإصبع الجليل ودارت معركة ناجحة قُتل فيها العشرات من جنود الاحتلال واستمرت العملية حتى نفدت الذخيرة واستشهد أحد الطيارين ، وأسر رفيقه، والثانية هبطت في موقع قريب من قرية شفا عمرو الفلسطينية، كذلك أُسر الطيار بعد معركة عنيفة، وكان هؤلاء الابطال يحملون أرواحهم على أيديهم ، حيث ادرك ابطال المجموعة تمام الإدراك أنها رحلة بلا عودة، يدركون أنه عندما تحط طائراتهم في نقطة الهدف فما من وسيلة ستجعلها تقلع مرة أخرى، وقد حملت عملية الطائرات الشراعية اسم رمز الحركة الوطنيه اللبنانية الشهيد الكبير كمال جنبلاط ، وذلك وفاء للشهيد الكبير كمال جنبلاط الذي ادرك بوعيه القومي والتقدمي والانساني بأن فلسطين هي البوصلة ،وشكل بمواقفه تاريخ مشرق لكل فلسطين بوقوفه ودعمه لقضية فلسطين ، الأرض والإنسان، ولفلسطين هوية الأحرار والمناضلين، كما ربطته علاقة التحالف مع امين عام الجبهة الشهيد القائد ابو العباس والتي تؤكد بأن هذا الشعب عصي على الكسر وأنه صلب، ،حيث اكد الشهيد ابو العباس أن كل هذا الألم ستحقق النصر عاجلا اما اجلا، داعياً للاستمرار بالمقاومة والتمسك بالحقوق .. وتحصين الجبهة الداخلية من محاولات العدو الصهيوني لاختراق هذه الجبهة عبر القتل والتدمير وارتكاب المجازر والتهجير والتشريد.

وفي هذا السياق لا بد من الدعوة المخلصة لإجراء مراجعة شاملة لوضعنا السياسي والوطني بشكل عام، وتغيير منهج العمل القائم وإعادة تفعيل مؤسسات المنظمة وتغليب المصلحة الوطنية العليا وقضية الوحدة الوطنية، والتمسك بالثوابت الوطنية والاستمرار في رفض الدور الأمريكي في عملية التسوية والمطالبة بمؤتمر دولي كامل الصلاحيات، والأهم من كل ذلك سحب الاعتراف "بإسرائيل" وهذا يستلزم قبل كل شيء استعادة الوحدة الوطنية والبحث عن خيارات مغايرة لمى يسمى المفاوضات ، وخاصة ان المرحلة تنذر بتحولات عميقة على كافة الأصعدة وما علينا سوى الصمود على المواقف، والتصدي لصفقة القرن من خلال استراتيجية موحدة تستند لكافة اشكال النضال.

ان إعادة تفعيل العامل الذاتي تكمن في عقد المجلس الوطني الفلسطيني باسرع ما يمكن ، بالاستناد الى المشروع الوطني، سواء في مجال مقاومة الاحتلال، ومواجهة قرار الإدارة الأمريكية بنقل سفارتها من تل أبيب إلي القدس في يوم النكبة الذي يعتبر إمعاناً في طعن شعبنا الفلسطيني والتنكر لحقوقه والعمل على إذلاله وتركيعه، في ظل نظام رسمي عربي هالك ومنهار ،يتواطأ ويشارك الإدارة الأمريكية مشروعها المسمى بصفقة القرن "صفة العصر " لتصفية القضية الفلسطينية، كما يستدعي ذلك تصعيد انتفاضة شعبنا ومقاومته الوطنية ونقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة من اجل عقد مؤتمر دولي يستند الى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي أنصف غالبها شعبنا الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال .

ومن هنا بالعودة الى عملية الطيران الشراعي نسور جبهة التحرير الفلسطينية التي اسهمت في تغيير منحى الصحافة العالمية والعربية في ذلك الحين للحديث عن المقاومة الفلسطينية الباسلة فرضت نفسها بقوة على الرأي العام العالمي ، حيث اسقطت العملية إفشال نظرية الأمن الصهيوني الزائفة والمضللة لمستوطنيه، حيث أن الاحتياطات الإلكترونية ونظام الدفاع الأمني لم يستطع منع الفدائي المقاتل من تنفيذ مهماته وواجباته، كما ان العملية كان ابطالها يتكونون من سوري وفلسطيني لتؤكد أن النضال من أجل فلسطين ليس حكراً على الفلسطينيين بل هو يشمل الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج.

لهذا ميزت جبهة التحرير الفلسطينية عملياتها النوعية والاستشهادية على ارض فلسطين ، فقد كان دائما لعملياتها العسكرية الاثر المدوي التي هزت الكيان الصهيوني ، باشراف الرفيق الشهيد القائد الامين العام ابو العباس ورفيق دربه القائد سعيد اليوسف والقائد ابو العز ورفاقهم، حيث شكلت عمليات جبهة التحرير الفلسطينية من الجو بالمنطاد والطيران الشراعي ، ومن البحر بالزوارق ومن البر بعدة عمليات نوعية واستشهادية ، صفحات مضيئة في تاريخ النضال الفلسطيني .

لذلك فقد شكلت جبهة التحرير الفلسطينية بدورها النضالي وأمجادها وبطولاتها وعظمتها، انضمام العديد من المناضلين العرب و شرفاء وأحرار وثوار العالم خلال مسيرتها الطويلة وتاريخها الساطع، وارثها النضالي والكفاحي العريق، ومؤسسوها وقادتها، الشهداء وفي مقدمتهم الشهيد الرمز ابو العباس.

وشكلت عملياتها في الطيران الشراعي والمنطاد الهوائي البعد الوطني والقومي ، بالرغم من تكالب المؤامرات على الثورة الفلسطينية من الامبرياليين الدوليين والصهاينة الغزاة وبالرغم من تكاثر المؤامرات على القضية الفلسطينية بقوة وتركيز، حيث استطاعت الجبهة باستمرار نضالها بكل الايمان والتحدي في جذورها واسسها ان تخترق طريقها وتشق دربها حاملة معها من الجراح و الآلام طريق النضال، حيث كانت تصنع المعجزة مع التكامل الرائع في مسار النضال، وشكلت مع جميع المناضلين طريق الكفاح وخاصة مع حلفائها ورفاق السلاح في حركات التحرير في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، لانهم جميعا كانت الجبهة تقف واياهم في خندق نضالي واحد تصنع تراثا حيا ومتجددا في مواجهة القوى الامبريالية والمؤامرات الصهيونية.

وفي ظل الظروف التي كانت تعيشها الثورة الفلسطينية انذاك أعادت العملية زرع الثقة لدى الجماهير العربية ومشاعر الفرح الغامر والأمل والتفاؤل بإمكانية هزيمة الاحتلال ، حيث خرجت الجماهير في المخيمات تعلن عن فرحتها وهي تطلق النار في السماء وتوزع الحلوى، و أعادت الاعتبار للبعد القومي تجاه القضية الفلسطينية، وتحطيم أسطورة الجيش الصهيوني الذي قيل لا يقهر، ولفتت العملية أنظار العالم إلى أن الرقم الفلسطيني رقم صعب عصي على الشطب.

ومن هذا الموقع نقول ان النضال الوطني شكل على الدوام ذاكرة في الانسان العربي الفلسطيني لا تنسى، لأن فلسطين محفورة في الوجدان والذاكرة كما الشهداء ماثلين أمامنا أطفالاً ورجالاً وشيوخاً ونساءً، وحتى لا ننسى تفاصيل قرانا ومدننا وفلسطين .

امام كل ذلك اراد الشهيد القائد ابو العباس من تسمية عملية الطائرات الشراعية باسم الشهيد القائد كمال جنبلاط رمز الحركة الوطنية اللبنانية ، وتقديرا لتضحيات الشعب اللبناني الشقيق واسناده للثورة الفلسطينية وما قدم من تضحيات ، ولتشكل العملية تاريخ فجر جديد مشرق بالانتماء لكل فلسطين الأرض والإنسان، فلسطين هوية الأحرار والمناضلين والاسم الحركي لمناهضة الإمبريالية العالمية وحليفها الكيان الصهيوني.

ختاما : ستبقى عملية الشهيد كمال جنبلاط في ذاكرة المناضلين ، ولن ننسى الشهداء الذين سقوا الأرض الفلسطينية بدمائهم العطرة وكللوا الجبال والوديان بأرواحهم ، تاركين لنا أمانة أغلى وأعز من كل ما في هذه الأرض ,التي أضاءت وسط ظلام راية النضال من اجل تحرير الارض والانسان ، هذه الراية التي ستبقى تحمل اسم فلسطين شامخة مرفوعة الرأس ، منتصبة القامة حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .

بقلم/ عباس الجمعة