تتعرض القضية الفلسطينية , إلى مخططات التصفية العلنية , وتمر فلسطين الوطن والهوية في أخطر المراحل , حيث تكالب الأعداء وإصطفاف الضباع طوابير للهجوم على ما تبقى من شرف الأمة العربية والإسلامية , أي خنوع يتفاخر به القوم تحت عباءة الحكمة , وأي ردة يؤذن لها في عواصم العرب وكأنها نداء النجاة , وأي إنتكاسة يصفق لها بأنها إنتصار للقائد المبجل , واقع مخزي سوداوي يخيم على مضارب أهل السيف والخيل , فلقد كسروا السيف وعقروا الفَرس وسجنوا الفارس , فلا خير في أمة تقتل روح الإباء وتطمس عوامل الإنتصار في حياتها , فبعد سقوط القدس لا عذر لمتخاذل ولا مكان لجبان , وبعد قرار ترمب بإعتبار القدس عاصمة للصهاينة , لم يعد هناك مساحة لمتأخرين عن فهم الحقيقة ولم يعد هناك فرصة لغير المدركين لطبيعة الصراع على أرض فلسطين , تتعرض فلسطين لهجمة تهويدية علنية بلا تمويه أو إخفاء , هدفها طمس الهوية الفلسطينية وتزييف التاريخ والجغرافيا لصالح المشروع الصهيوني الإحلالي الإجرامي.
هذه الحقيقة الساطعة , لواقع الأحداث في فلسطين , يجب أن تكون مدعاة للجميع أن يعزز خياراته الوطنية , نحو مواجهة الهجمة الصهيوأمريكية , فالصمت خيانة للتاريخ وللمقدسات ولتركة الشهداء وميراثهم المبارك , العجز طعنة في ظهر الأجيال القادمة , فالقدس ستبقى عاصمة فلسطين ولن تكون غير ذلك , مهما حاولت الذئاب سرقتها في لحظة توهم فيها الأعداء أن الحارس نائم , فالأجنة في بطون أمهات فلسطين هم حراس لقدسنا وفلسطيننا , وسنقهر بن غوريون في قبره ألف مرة كلما داست أقدام أطفال فلسطين مقولته " الكبار يموتون والصغار ينسون " , فالقضية الفلسطينية ملك أجيالها المتلاحقة وصولاً إلى يوم النصر ودحر المحتل وإستعادة فلسطين , ولن تنسى أجيالنا فلسطين إسمها ورسمها , إذ نحن أحسنا الحفاظ عليها من السرقة والتزوير الصهيوأمريكية .
وكيف السبيل للحفاظ على فلسطين من هذه المؤامرة الكونية الجديدة ؟ , حيث شيطان صفقة القرن يطوف على المدائن يطلب مزيداً من السحرة لخداع البقية المؤمنة بفلسطين وحتمية تحريرها , وشعار السحر الأفاكين التعايش والتطبيع والوطن البديل , وكأننا كشعب فلسطين نحتاج إلى قطعة من الأرض نقيم عليها دولة وكفى , فلسطين عقيدة تسكن في النفوس وتسرى في الدماء , فلسطين رائحة الأجداد حيث تحوم الذكريات وتُروي الحكايات , فلسطين الوطن الذي لا يباع ولو دفعت مقابله جنان الأرض , فلسطين الوطن الذي لا يفرط به ولو صُبت علينا نيران الدنيا , فلسطين وصية الشهداء وصوت الآذان , فلسطين عهدة الأنبياء لأمة محمد صلى الله عليه وسلم, فلسطين أكبر من كل وعود المانحين فلسطين أكبر من تهديدات وغدر المتربصين .
ليس هناك أمامنا الا أن نعزز الإيمان بفلسطين , عقيدة ووطن ومصير , لا إنفكاك ولا تنازل عنه , وسياج هذا الإيمان وحدة الشعب وسلاح الإيمان بفلسطين هو مقاومة متواصلة بكافة أشكالها , ونبذ الإعتراف بأي حق مزعوم للمحتل على أرضنا , حتى ولو كانت الأنفاس التي يسرقون من هواء فلسطين , ولو كانت مساحة قبر لأمواتهم غير معترف بها في أرضنا المباركة , هذه هي الطريق جلية واضحة , وهذا هو المشروع الوطني الجامع , وهذا هو الوجه الحقيقي والجوهر الأصيل لقضية فلسطين .
وللأسف لازال البعض يراوح مكان في حظيرة التسوية , ينتظر سكين الذبح الأمريكية , رغم إمكانية التمرد على واقع الذل والمسكنة , فنحن شعب لا نعيش الا في بحر الكرامة , ولا نقبل أبداً هذا الخضوع الذي يمارس بإسمنا مجتمعين , من مجموعة سرقة القرار الوطني ومؤسساته ,وتمضي منفردة دينها في ذلك التفرد والإقصاء, وهي ذاهبة حتماً إلى الخيارات العقيمة والمجربة , تبتعد في كل مرة بإرادتها عن الخيارات المجدية وتنوع الأساليب الكفاحية , وكأن تلك القيادة المتسلطة على القرار الفلسطيني , لا تملك الا الولوج مغمضة العين ومكبلة الأيدي في نفق التسوية ذو الحراسة الأمريكية بعد أن وقعت على الإعتراف وأسقطت كل سلاح , بلا إجماع ولا تفويض ومع ذلك تجاهر بإدعاء تمثيل شعب التضحيات والبطولة الذي لا يقبل الدنية في دينه ووطنه .
بعد تعثر المصالحة الفلسطينية بحجج التمكين , بما يخالف روح الاتفاقيات ونصوصها , والتي كانت تهدف لإنهاء الإنقسام الحاصل في هياكل المؤسسة الحكومية , عبر تعزيز الشراكة السياسية والمشاركة في صنع القرار , والدمج الوظيفي ما بين حكومتي الإنقسام , وإستمرار العقوبات المفروضة على قطاع غزة التي تصيب مفاصل الحياة لأهل غزة بمقتل , وكذلك التهرب من إستحقاق إنعقاد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير , وإستخدام المنظمة ومؤسساتها سعياً لإفراز قيادة جديدة وأو تجديد شرعيات منقوصة , في تجاهل للكل الفلسطيني وقواه المؤثرة والرئيسية في الفعل الثوري والسياسي , وكان ذلك في عقد المجلس المركزي في يناير الماضي , ويأتي اليوم في دعوة المجلس الوطني للإنعقاد في أبريل القادم , في خطوات إرتداد عن مشروع الوحدة الفلسطينية وإمعان في الشرذمة والفرقة , في مرحلة نحن أحوج ما نكون فيها إلى الوحدة والتماسك والتعاضد لمواجهة المؤامرة الأمريكية , فمن يريد مواجهة صفقة القرن صادقاً في مسعاه فليس هناك أقوى من سلاح الوحدة والمقاومة , من يريد أن يُفشل صفقة القرن عليه بتعزيز صمود قطاع غزة لا حصارها والتهديد بالمزيد من العقوبات , من يريد إحباط صفقة القرن عليه أن يتقدم خطوات نحو الوحدة وترك التفرد بالقرار السياسي , من يريد أن يرد الصفعة لأهل الصفقة فعليه بإعلاء راية المقاومة في كل فلسطين .
بقلم : جبريل عوده*
كاتب وباحث فلسطيني
8-3-2018م