"ثقافة الهبل وتقديس الجهل"كتاب ثقافي وفكري بامتياز، للكاتب الفلسطيني المقدسي جميل السلحوت، صادر عن مكتبة "كل شيء"في حيفا، لصاحبها الناشر صالح عباسي، ويقع في ١٨٠صفحة من الحجم المتوسط، وصمم لوحة الغلاف الفنان التشكيلي جمال بدوان، وقدم له الأستاذ خضر محجر.
عرفت جميل السلحوت منذ اربعة عقود ونيف، من خلال كتاباته وأعماله المتنوعة، التي كان قد نشرها في الصحف والمجلات الثقافية والأدبية الفلسطينية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
عرفناه مهتماً بالتراث الشعبي الفلسطيني، وكاتب مقالة ساخرة في صحيفة"الطليعة"المقدسية ، وأول كتبه تمحورت حول الأدب الشعبي، ومنذ العام٢٠٠٧شرع يكتب وينشر قصصًا وروايات للأطفال، وفي العام ٢٠١٠أصدر روايته الأولى.
ومن الطريف ان جميل السلحوت لم ينشر أي رواية للكبار قبل بلوغه الستين عامًا.
وفي السنوات الأخيرة دأب على نشر المقالات السياسية والفكرية والأدبية والنقدية، وقد قرأنا له الكثير من الكتابات في المواقع الالكترونية المختلفة. وهو يتصف بغزارة الكتابة والنشر .
ما يميز جميل السلحوت هو قناعاته الفكرية وانفتاحه على الآخر، وايمانه بالعقل والعقلانية وجرأة الطرح وشجاعة المواقف، فهو مثقف نقدي مستنير، يدعو الى التسامح وحرية التعبير والدولة المدنية، ويذود عن الديمقراطية والثقافة الانسانية التقدمية.
جاءت فكرة كتاب جميل السلحوت"ثقافة الهبل وتقديس الجهل" حول موضوعة الاسلام السياسي وممارسات المجموعات الاصولية السلفية التكفيرية، جاهدًا في وصف حالة الفوضى السائدة في الوطن العربي التي تراوح مكانها.
ويحتوي الكتاب بين غلافيه ٦٠عنواًنًا فرعيًا يتناول الجهل مغموسًا وممزوجًا بالهبل في شتى مناحي الحياة على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي الانساني، مبينًا اساليب استهبال الشعوب العربية بفعل غسيل العقول والجهل والتخلف والايمان بالشعوذات والمعتقدات البالية التي غرست فيهم.
ويطرق جميل السلحوت في كتابه مواضيع جريئة، بشجاعة المثقف النقدي الواثق المؤمن بأهمية دوره الطليعي والريادي المعرفي، ويلقي الأضواء على ظاهرة تدمر الشعوب والمجتمعات العربية وشطبها عن خريطة الثقافة والابداع.
ويتناول السلحوت بداية المفاهيم والمصطلحات التي وردت في عنوان كتابه، وهي الثقافة والهبل والتقديس والجهل، ويفرد لكل مصطلح مساحة وافرة، ويتوقف عند ظاهرة تنمية الجهل وتسويقه وتعطيل العقل.
كما يتناول الدولة القومية والاسلامية واستحالة بناء امبراطورية اسلامية تجمع الشعوب العربية الاسلامية كافة، لأن الدولة الدينية لا تعترف بالقوميات، رغم أن الفكر القومي لا يتناقض مع الدين.
ويتطرق الى الفتن الطائفية والدينية المذهبية التي تسببت بحروب أهلية، كان لها انعكاس كبير على التعايش والسلم الأهلي.
ولا ينسى جميل السلحوت فضائيات الهبل والجهل، التي تبث فتاوى غريبة لبعض المتأسلمين، من وعاظ السلاطين، والدين منهم براء.
ويتعرض الى المسألة النسوية الدونية والذكورية ضدها، ومحاولات سلب حقوقها، والتعامل معها على أساس أنها أداة للمتعة والجنس والجسد وألة"تفريخ" والمطبخ ليس الا، وكائن لا يستحق الحياة، ويستشهد بالعديد من الأمثال الشعبية التي ترسخ هذه النظرية المجتمعية السلبية الدونية للمرأة، موضحًا ان الدين الاسلامي أوصى بالمرأة خيرًا، ولكن المرأة في المجتمعات الاسلامية لا تلقى لا المعروف ولا الاحسان من زوجها، لافتًا النظر ان البعض نسي أن مفهوم الشرف لا يقتصر على المراة، وانما على الرحيل أيضًا وعلى سلوكياته.
ويعرض كذلك في كتابه الثقافة بكل مجالاتها، كثقافة المطالعة. وثقافة العفاريت وعبادة العجول وتحريم الحلال، وثقافة القبيلة والعشيرة والتعصب القبلي، وثقافة المفرقعات والطوش، والانبهار بالأجنبي، والتكفير والتخوين، وثقافة تدمير الذات، وثقافة الشعارات الكاذبة.
كتاب جميل السلحوت يحمل الجرأة والشجاعة في نقد المقدس وثقافة الهزيمة السائدة، ومعالجة المسائل والقضايا الشائكة، بالعلم والمنطق والعقل والاقناع، بأسلوب راق من الطرح والمعالجة الشفافة الواضحة، بلغة سهلة ومفهومة ومتداولة.
وهو يلخص أسباب تراجع الأمتين العربية والاسلامية وتخلفها عن ركب التقدم والحضارة.
انه كتاب ثري بموضوعاته ومداخلاته وطروحاته الفكرية العلمية ومواقفه السياسية، ويشكل اضافة نوعية وجزلة للكتب الفكرية في المكتبة الفلسطينية.
نشد على أيدي الصديق الكاتب جميل السلحوت ، مع التمنيات له بالعطاء والوهج الفكري، وانتصار القضايا التي يدافع عنها.
بقلم:شاكر فريد حسن