حادثة تفجير موكب “الحمد الله“ وما بعدها؟!

بقلم: صالح النزلي

تشغلُ حادثة تفجير موكب رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله أمس الثلاثاء، الرأي العام الفلسطيني والأوساط العربية المتابعة للقضية الفلسطينية، وذلك لما لها من آثار خطيرة على المسار السياسي، بالإضافة إلى أنها أدت بشكلٍ مباشر إلى عودة التصريحات السلبية بين حركتي فتح وحماس، وتغييب ملف المصالحة الفلسطينية عن المشهد الإعلامي.

وبغض النظر عن التوقيت الذي جاء فيه هذا التفجير، ومن يتحمل مسؤوليته إلا أن الموقف الرسمي الفلسطيني خاصة رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله، تحلى بالمسؤولية والرغبة في عدم تأثير هذه الحادثة على مجريات المصالحة رغم خطورتها، لكن هذا الأمر لا بد أن يُقابل من حركة حماس بسرعة الكشف عن الجناة وفتح تحقيق عاجل ومهني وصولاً لكشف المسؤول عن هذه الحادثة وتقديمه للعدالة وكشف اللثام عن الجهة التي سعت إلى تعطيل مجريات المصالحة وأجوائها الإيجابية.

إن هذا الحادث المدان فلسطينياً يتوجب على كافة الأطراف التوقف عنده والبحث فيه جيداً، وعدم الاكتفاء بتحميل الاحتلال الإسرائيلي مسؤوليته، حيث إن هذه الجريمة تتطلب تحقيقاً عاجلاً تشترك فيه كافة الأطراف لإسقاط المتآمرين على القضية الفلسطينية، والذين سعوا من خلال هذا التفجير لضرب السلم الأهلي والمجتمعي، وتمرير المخططات الإقليمية التي تهدف بالأساس إلى استمرار الانقسام ليتثنى لها تنفيذ مطامعها في المنطقة، ولم يكن اختيار هذا التوقيت عبثاً بل إن الهدف من وراءه هو تكريس الانقسام وإطلاق رصاص الرحمة على الجهود المصرية المبذولة لإتمام المصالحة وعودة الوحدة الوطنية بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة، ومما لا شك فيه أن الاحتلال أحد أبرز المستفيدين من هذه الحادثة لكنه ليس المستفيد الوحيد، كما أن تنفيذه كان بأيدي فلسطينية تلاقت مصالحها مع مصالح الاحتلال لتعطيل نهوض الواقع السياسي الفلسطيني الذي سعت له مصر مؤخراً.

لذلك فإن المسؤولية الوطنية تُحتم على كافة الأطراف التحلي بالمسؤولية الوطنية اللازمة للوقوف عند هذه الجريمة النكراء التي سعت إلى ضرب النسيج الفلسطيني برمته، كما أن هذه الحادثة تفرض على طرفي الانقسام الالتزام بالتفاهمات التي أبرمتها مصر لإتمام الوحدة الوطنية وعدم الانجرار خلف ما سعى له المتآمرين، وعدم تحميل كل طرف للآخر مسؤولية الحادثة ذات الأهداف المشبوهة، كما أن حركة حماس مطالبة بالسعي الحثيث في كشف تفاصيل الجريمة بذات القدر الذي بذلته عقب اغتيال الشهيد مازن فقها، ومحاولة اغتيال قائد قوى الأمن بغزة اللواء توفيق أبو نعيم، للتأكيد على أنه لا مصلحة لها بما حدث وإثبات موقفها أمام الوفد المصري المتواجد بغزة من أجل إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام.

ومما لا شك فيه أن حركة حماس تدرك خطورة هذه المرحلة التاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينية، والتي يتم السعي خلالها لعزل غزة عن الضفة، والتهام الاستيطان لما تبقى من أراضي الضفة الغربية وتطبيق مشروع ترامب بشأن القدس، لذلك فإن حركة حماس خارج إطار الاتهام بتنفيذ محاولة الاغتيال لما لها من آثار كارثية على قطاع غزة المنكوب بالأساس، ولأنها تجعلها بموقف ضعيف أمام الوفد المصري، عدا أن الحادثة تمس بهيبة الأمن في غزة والتي سعت الحركة لإبرازها أمام كافة الوفود التي زارت غزة، إلا أن وجودها خارج دائرة الاتهام لا يعفيها من ضرورة التحقيق الجاد والعاجل لكشف اللثام عن المتآمرين الذين سعوا لضرب السلم المجتمعي وعودة التراشق الإعلامي بين طرفي الانقسام، حتى لا تكون الحركة متهمة بالقصور في حفظ أمن غزة، وتوفير الأجواء الأمنية اللازمة لحماية الوفود القادمة للقطاع على أقل تقدير.

والمتابع للشأن الفلسطيني يدرك تماماً أنه منذ تاريخ أمس الثلاثاء، غاب الحديث عن ملف المصالحة وباتت حادثة التفجير تُسيطر على المشهد الفلسطيني برمته، وذلك ما سعى له مُفجري موكب رئيس الوزراء، لذلك فإن تعطيل مجريات المصالحة والتوقف عند الحادثة فقط، سيؤدي إلى العديد من السيناريوهات فإما استمرار الانقسام وتعميقه ونسف كافة الاتفاقات السابقة، أو تجاوز الحادثة بشكل غير كلي من خلال التحلي بالمسؤولية الوطنية من كلا الطرفين مع استمرار البحث في الجهة التي تقف خلفها وإعلانها أمام الكل الفلسطيني، أو كشف خيوط جريمة محاولة الاغتيال وأن المنفذ أحد الطرفين، وبالتالي بدء موجة جديدة من الخلافات بطابع جديد سيؤدي إلى تدمير النسيج الوطني الفلسطيني وتعميق الانقسام بين الطرفين.

وختاماً لا بد من التأكيد على ضرورة إسقاط كافة المتآمرين على وحدة المشروع الوطني الفلسطيني، والبحث عمن أراد تدمير جهود مضنية بذلتها مصر في ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس، والتأكيد أيضاً على أن الخلافات السياسية والاختلاف في الرؤى لا بد أن تحكمه الأعراف الفلسطينية البعيدة كل البعد عن العنف ولفظ الآخر، وصولاً إلى بناء الدولة الفلسطينية المستقلة القائمة على تقبل الآخر، رغم كافة التحديات والمؤامرات التي تُحاك سراً وعلناً للقضاء على حلم شعبنا في الاستقلال والعودة.

بقلم: صالح النزلي