كانت كلمات الدكتور رامي الحمد الله في غزة في أعقاب محاولة الاغتيال الفاشلة، كلمات رجل دولة من الطراز الرفيع، كانت نغمة الصوت ثابتة ومستقرة، تعكس الثقة والشجاعة ورباطة الجأش، والأهم من ذلك أنها كلمات للمستقبل، وللدولة، وللشعب.
قال رئيس الوزراء إن هذا التفجير سيبقى في أرضه، ولن يتجاوز الغبار الذي صنعه، لن ينجح التفجير ولن ينجح من دبره أو خطط له أو من الممكن أن يوظفه أو يستخدمه.
قال رئيس الوزراء، رغم الطنين الذي يملئ أذنيه، ورغم المخاطر التي لم تنتهي، إن هذا التفجير سيكون عاملاً من عوامل تعزيز المصالحة وتمتين وتمكين الحكومة وأدواتها وأذرعها، قال الدكتور الحمد الله إن هذا التفجير سيكون جسراً بين جناحي الوطن، لا حفرة نقع فيها جميعاً.
كان ذلك الموقف، موقفاً يسجل في تاريخ الفلسطينيين الحديث، أن هناك من فكّر باغتيال رئيس وزراء دولة فلسطين، مع رهط من صحبه، على رأسهم اللواء ماجد فرج واللواء محمد منصور وآخرين، ولكن الله سلم، وبذلك أنقذ الله الفلسطينيين من كارثة قومية.
بعد التفجير الآثم والغاشم والمدان والجبان، يحق لنا أن نسرد هذه الملاحظات:
أولاً: إن موقف رئيس الوزراء ورفاقه، كان موقفاً مشرفاً ووطنياً رفيعاً، حيث أكملوا المهمة وسجلوا المواقف وأكدوا على الثوابت، وهذا ما يحسب لهم جميعاً، إذ حوّلوا الانفجار إلى جريمة صغيرة، وحوّلوا من يقفوا وراءها إلى مجموعة خارج الصف الوطني، وهذا ما تحدث به حارس أمننا القومي الأخ اللواء أبو بشار، حين قال مباشرة
ومن موقع التفجير، سنستمر بالوقوف إلى جانب شعبنا وسنكمل مشوار المصالحة ولن نترك خفافيش الظلام ينتصرون، وهذه مواقف رجال الدولة والحريصين على وحدة الشعب.
ثانياً: لم يتم استغلال الموقف ولا توظيفه لصالح ما هو استثنائي أو خارج التوافقات، إذ أن المطالب هي هي لم تتغير، وكذلك شروط المصالحة أو ظروفها، وبالتالي فإن التفجير، وإن عكس التوتر والحاضنة الغاضبة والمحتقنة، ولكنه لم يؤدي إلى نتائج سياسية كبيرة أصلاً، وبهذا تم تجريد التفجير من كل دلالاته ووسائله، وأحبط كل من راهن على فصل القطاع، أو تفجير المصالحة، أو الإيقاع بين أفراد الشعب الواحد.
ثالثاً: التفجير، وإن عكس تهاوناً وعدم انضباط في أمن حركة حماس بشكل ما، فإن هذا التفجير يتحول إلى حدث محرج، ليس للأمن الحمساوي فقط، وإنما للحركة نفسها أيضاً، وبالتالي فإن مسارعة السلطة الوطنية إلى تحميل حركة حماس المسئولية، فيه تبرير وتسويغ، هذا لا يعني اتهامات على الإطلاق، بقدر ما يعني إلقاء مسئولية إيضاح الأمور وتقديم الإجابات وعدم طي صفحة هذا الانفجار كما حصل في حوادث كثيرة، كان آخرها قبل ثلاث سنوات، عندما تم إحراق سيارات لأعضاء من حركة فتح، ثم شُكلت لجنة تحقيق، وحتى الآن لا نعرف ما مصير هذه التحقيقات، قصد الكلام هنا، أن على حماس أن تسارع إلى تدارك الأمر وإزالة اللبس والغموض وتقديم رواية مقنعة ومثبتة حول الانفجار، وذلك لتهيئة الوضع لاستئناف محادثات المصالحة بأسرع ما يمكن، وحتى لا نذهب بعيداً ونشكك، فمن الضروري أن يتم تشكيل لجنة تحقيق وطنية يرأسها وزير الداخلية (رئيس الوزراء) وبمشاركة الراعي المصري الذي تثق به كل الأطراف.
رابعاً: هناك غاضبون كثر في قطاع غزة، سلفيون وراديكاليون وطالبوا ثأر وعاملوا أجندات ومرتبطون بهذا الطرف أو ذلك، وهذا مدعاة إلى أن تدرك حماس أن تسليم الأمن الداخلي لحكومة التوافق فيه مصلحة للشعب الفلسطيني كله، إن هذا التفجير الذي وقع في شارع مراقب وكشوف، وجاء بعد الكثير من عمليات التحريض ضد قيادة وكادر الأجهزة الأمنية، يعكس مدى قدرة المخططين والمنفذين على اختراق الأمن الحمساوي، هذا جرس وضوء أحمر أمام حماس لإدراك أن الوقت قد حان لأن تنزل عن الشجرة سريعاً.
خامساً: إن ترافق هذا التفجير مع ما يسمى بـ "العصف الذهني" في البيت الأبيض، وهو أمر له دلالات عميقة، يدفعنا إلى التفكير ملياً، وأن نطرح السؤال التالي: هل هذا التفجير في غزة جاء ليدعم أولئك المجتمعين في واشنطن؟! هل كان هذا التفجير لاختطاف غزة من مستقبل ودولة الشعب الفلسطيني؟!
حماس التي يجب أن ترد على هذه الأسئلة، وبأسرع وقت، لتزيل أية حساسيات أو غبش في طريق العلاقة الداخلية في البيت الفلسطيني الواحد.
اللواء د. محمد المصري
15/03/2018