لن أستطيع أن أجبر قلمي على المضيّ بعيداً هناك .. حيث أمي ..
لذلك لا أرى بُداً من توجيه برقية الشكر لأبي الذي أحسنَ الاختيار ، و أهدانا تلك الأمّ الفلسطينية الممزوجة بعبير دمشق ..
أمي التي تشبّ معنا ، شِخنا و ما شاخت ، أمي التي زاملتنا حتى أصبحنا شباباً أشدّاء ، و جعلت من أطباق البرغل الأحمر مائدة الملوك التي تصنع السلاطين .
في يومِكِ الأغرّ تعود بي الذكرى إلى أشياء نظنّ أنها أصبحت ماضياً ، لكنها بالنسبة لي حاضرٌ يأبى الزوال ، و كيف ننسى ذلك الماضي الدامي الذي تمكّنتِ من اجتيازه فوق جثث الفقر و الصفيح و القيعان المترامية في أرجاء منزلنا هناك ، لتصنعي معجزة الوصول ..
نعم الوصول ..
لأننا وصلنا
و ليتنا ما وصلنا ، لأننا عندما وصلنا أدركتكِ الشيخوخة ، و دهاكِ شبح المرض بعدما كنتِ عنواناً للفتوّة ، و جاءت الغربة اللعينة لتلعب لعبتها الماكرة ، و تجعل من البحار و الأكوان فيصلاً حازماً بيننا ، لنحيّي بعضنا عبر وسائل التواصل بعدما كنا على مائدة واحدة ..
في يومِكِ المنتظر لا أطلب منكِ شيئاً سوى ما تيسّرَ من قُوْتِكِ القديم ، لعلّني أستفيق من سباتِ الغربة التي أنهكتني ..
ليست أخباري بالأخبار السارة و لو طالعتكِ قصائدي حديثة العهد في المجلات و منابر الصحف ، و كيف لي ذلك و لم أرتشف منذ سنوات قهوة الصباح في جوارك المُعَنّى ؟!
يسألني أحدهم : ما بالكَ قد تلاشى شعر رأسِك ، و بدأ المشيب يدفع بطلائعه الأولى نحو ميدانك ؟!
فقلت له : لا يضيء المصباح إلا إذا غابت الشمس ..
أم وسيم :
عَبْرَكِ و عَبْرَكِ فقط أحيّي الأمّهات في يومهنّ ..
بقلم/ عبد السلام فايز