مخطئ هو ذلك الذي ما زال يعتقد بان ما يأتي به الرئيس الفلسطيني من قرارات في خطاباته المكتوبة منها والارتجالية هي اعتباطية دون تنظيم، او فوضوية دون حساب، ومخطئ هو أيضا ذلك الذي ما زال يعتقد بان ما جاء في خطابه الأخير من كلمات حملت ما بين ثنايا حروفها سخط واشمئزاز كانت بسبب محاولة اغتيال رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمدالله فقط ، بل ان ما جاء في خطاب السيد الرئيس كان ردا طبيعيا على مماطلة وتسويف حركة حماس، ليس فيما يتعلق بالمصالحة فقط، وانما بكل ما يتعلق أيضا باتجاهاتها السياسية ووجودها العبثي، وبما شكلته من اعباء على القضية الفلسطينية ،وما احدثته أيضا من مشكلات على حياة الشعب الفلسطيني منذ انطلاقتها وحتى لحظة اطلاق اخر خطاب للرئيس الفلسطيني، فإلى اين نحن نتجه الان؟، وما هي السيناريوهات المرتقبة لقطاع غزة ولحركة حماس؟ ، وهل غزة ما بعد الخطاب ستكون هي نفسها ما كانت عليه قبل الخطاب من حيث استمرارية حكم حماس لها والتحكم بمفاصل الحياة فيها؟.
كثيرة هي تلك التساؤلات المطروحة بعد خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والأكثر منها هي تلك السيناريوهات المرتقبة للقضية الفلسطينية بشكل عام ولمستقبل غزة بشكل خاص، ونحن هنا لا نسعى للإجابة على تلك التساؤلات، ولا حتى مناقشة تلك السيناريوهات، وانما هي محاولة لتسليط الضوء على بعض العناوين الفلسطينية القادمة داخليا وخارجيا في ضوء ما جاء في الخطاب من الفاظ وتوصيفات، ليس للربيع العربي فقط، وانما للإدارة الامريكية أيضا.
ما ان قامت حركة حماس بانقلابها وسيطرتها على قطاع غزة بقوة السلاح، فان الرئيس محمود عباس كان قد طالب قيادة تلك الحركة بالتراجع عن انقلابها والاعتذار عما قامت به ميليشياتها من اعمال بحق الشعب الفلسطيني وقضيته ،حيث لم يكن في اجندات الرئيس الفلسطيني في ذلك الحين استخدام القوة ، او أي وسيلة أخرى لإجبار حماس على ذلك الاعتذار او التراجع عما أقدمت عليه ،بل انه كان قد رأى في الانقلاب فرصة تتيح له تأجيل بحث العلاقة مع حركة حماس من أجل التفرغ لمفاوضات الوضع النهائي ،مع حرصه على مواصلة الدعم والاسناد لغزة ولو بتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة لمن فيها.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه الرئيس محمود عباس بان الانقلاب جاء بمثابة الفرصة التي يمكن له من خلالها التخلص مما كانت تحمله غزة من أعباء وضغوط على ما يهدف الى تحقيقه من برامج وصولا الى استراتيجيات تعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني استعدادا للدولة التي اعتقد بحتمية تحقيقها من خلال المفاوضات ،فان حركة حماس قد رات في عدم تشكيل الرئيس عوامل ضغط عليها للتراجع عن انقلابها فرصة تتيح لها هي الأخرى ترسيخ نفوذها من حيث القوة والوجود مع تصليب ميليشياتها لتصبح قوة لا يستهان بها عسكريا وسياسيا تستطيع من خلالها ايجاد مكانة إقليمية تسهم في طرح نفسها بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة ،وهذا ما كان السيد خالد مشعل قد اعلنه بنفسه في مؤتمر صحفي جاء تعقيبا على الانقلاب في حينه لقوله مخاطبا دول العالم " المصالح تحتاج للأقوياء لحمايتها ونحن الأقوى الان" ،وكان هدا الإعلان والاتجاه نحو تنفيذه قد اكد عليه أيضا الدكتور صلاح البردويل قبل أيام، وذلك بعد احد عشر عاما من الانقلاب ،حيث اكد استعداد حركته وجهوزيتها التام للتفاوض مع الإدارة الامريكية لتحقيق ما اسماه "الأهداف الوطنية" !!.
ان هدا التوجه المعلن من حركة حماس بعد احد عشر عاما من انقلابها وفي هذه المرحلة الحاسمة أيضا التي تمر بها القضية الفلسطينية ،وفي ظل سوء العلاقة ما بين السلطة الفلسطينية والإدارة الامريكية والصدام فيما بينهما حول ما يسمى صفقة القرن ، ورغم ما يعانيه شعبنا في قطاع غزة من محن وكوارث يحمل إشارة واضحة لا لبس فيها او غموض على إصرار الحركة على عدم مغادرة مربع ما هو مطروح من خيارات لتصفية القضية الفلسطينية، وذلك من خلال عدم تنازلها عن حكم غزة والاستمرار في تبنيها النهج الاستئصالي من اجل ان تكون بديلا عن منظمة التحرير والسلطة، فهي الان ومن خلال ممارساتها وتصريحاتها اما باتجاه نحو مشروع الفصل التام وإقامة كيان منعزل في غزة، واما بالاتجاه نحو تنفيذ السيناريو الإسرائيلي وهو إقامة فدرالية ما بين الضفة وغزة كحل نهائي بمعنى دولة في غزة وحكم ذاتي في الضفة ،حيث يتبنى هذا المشروع أطراف إقليمية .
ان اتجاه حركة حماس نحو الفصل ،سواء كان بانفرادها بقطاع غزة وإقامة كيان منعزل لها فيها ،او بالاتجاه نحو الفدرالية مع الضفة سوف تأتي تحت حجج ومبررات إنسانية على نمط حكومة إنقاذ وطني ،وهذا ما كانت معظم قيادات مكتب حماس السياسي قد دعت اليه مرارا ، وهذا ما ستدعو اليه نفس تلك القيادات في الأيام ردا على تهديد السلطة "يا بتشيلو يا بنشيل"، حيث لم يكن مؤتمر واشنطن غائبا عن المساهمة في اسناد تلك القاعدة وتحقيقها، وهذا الاسناد وتلك المؤتمرات هي التي ستمنع الاتجاه نحو سيناريو الحرب ايضا ،حيث لا مصلحة لحركة حماس في حينه الاتجاه نحو خيار الحرب مع إسرائيل لقلب الطاولة على رؤوس الجميع ،لان الطاولة ستكون حينئذ هي لتثبيت فصل غزة وبما يتوافق هذا الفصل مع امن إسرائيل المطلق وترتيبات صفقة القرن التي وافقت بعض الأنظمة العربية على ما جاء فيها، ولذلك هي تعمل على الان على تضييق الخناق على السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس من اجل التنازل عن غزة على قاعدة "شيل او بنشيل".
أي كانت السيناريوهات، وسواء نجحت الإدارة الامريكية بتمرير صفقة القرن او لم تنجح، فان القضية الفلسطينية بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص سوف تكون ما بعد الخطاب ليس مثلما كانت قبله، لان في الخطاب رسائل قد تعمد الرئيس الفلسطيني اطلاقها في ظل افعال أمريكية –عربية متصاعدة ،وما بين الأفعال والاقوال تناقض لا يحسم امر الصدام فيما بينهما الا الشعب الفلسطيني فهل ينجح بذلك؟ .
بقلم/ ماجد هديب