لا يقِلّ ضرر السهم المرتد عن ضرر السهم الموجّه

بقلم: عماد شقور

ابدأ بالخلاصة والخاتمة: لا ينفع ولا يفيد ان يتلفظ الاخ الرئيس ابو مازن بشتائم ودعاوى غير لائقة بشكل عام. وأكثر من ذلك: عندما يتم الشتم في جلسات مفتوحة، تبث على الهواء مباشرة.
قبل تسعة اسابيع، في منتصف شهر كانون الثاني/يناير الماضي، وجّه الرئيس الفلسطيني إلى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تعبير "يخرب بيتك". وفي هذا الاسبوع شتم ابو مازن السفير الأمريكي في تل ابيب، ديفيد فريدمان، بتعبير "ابن الكلب". هذه تعابير، لا يليق برئيس دولة ان يتلفظ بها.
لا اقول هذا دفاعا عن أمريكا. اقول هذا دفاعا عن الفلسطينيين وقضيتهم العادلة. واقول هذا حرصا على ابو مازن. واقول هذا ،بالخصوص، للمحيطين بالاخ ابو مازن، ولمستشاريه الذين يتقاضون رواتبهم مقابل ان يصدُقوه القول، ويقدموا له النصيحة والمشورة الحكيمة. نحن نعيش محنة صعبة، ونمرّ بمرحلة بالغة القسوة، نواجه، منفردين، او شبه منفردين، القوة الاكبر في العالم، التي يرأسها، (ربما بسبب أخطاء ارتكبها سابقوه في المنصب)، شخص ارعن منفلت العقال والكوابح، قليل الكفاءة، او حتى عديمها، يحيط نفسه بمجموعة من العنصريين المتخلفين المتطرفين، اولهم نائبه، ويليه وزير خارجيته الجديد، وسفيرته إلى الأمم المتحدة، وسفيره البذيء لدى اسرائيل، اضافة إلى اقربائه ونسائبه، وغيرهم ممن هم على شاكلته. وفي نظام الحكم الأمريكي، نظام "جمهورية الرئيس" فان الرئيس المنتخب، اشبه ما يكون بديكتاتور كامل الصلاحيات لاربع سنوات، لا تعينه وتساعده حكومة ووزراء، بل "إدارة" مكونة من موظفين بدرجة سكرتير، فهناك سكرتير للامن وسكرتير للخارجية وسكرتير للمالية، وهكذا، وهو يملك الصلاحية المطلقة في اقالة أي "سكرتير"، حتى عبْر "تغريدة" في التويتر من هاتفه النقال.
ليس من بين مهامنا تقييم "نظام الحكم" في أمريكا. لكن واجبنا ومصلحتنا ان نعرف ونتابع ونعي ما يدور هناك، خاصة واننا نتحدث عن بلد (!!) اخطأ من سمّاها بالعربية "الولايات المتحدة الأمريكية" وكان الجدير به ان يسمّيها "الدول الأمريكية المتحدة"، لأنها هي، في واقع الامر، كذلك بالفعل: انها خمسون دولة متحدة، تنتخب كل واحدة منها حكومتها ومجالسها وحكامها المحليين، وتنتخب هذه الدول/الولايات، مجتمعة، رئيسا/دكتاتورا كامل الصلاحيات، لاربع سنوات.
هذا الرئيس/الدكتاتور المنتخب (ديمقراطيا، او بالاستعانة الممنوعة باموال واجهزة دولة اجنبية)، الارعن، اختار وأقال، ويُقيل ويختار اعضاء ادارته بوتيرة تغيير الجوارب. لكن هذا ليس همّنا. همّنا هو ان هذا الرئيس الارعن، و"إدارته"، وربما بسبب مطاردة وملاحقة اجهزة التحقيق والقضاء الأمريكية له، بتهم كثيرة تتعلق بقضايا مالية وتزوير، وقضايا اخلاقية وغيرها، وتجد لها صدى واسعا في الصحافة، فانه يحاول استرضاء اسرائيل والحركة الصهيونية، لمعرفته مدى تغلغلهما وتأثيرهما، على اجهزة ووسائل الاعلام التي يمتلكون الكثير منها، في أمريكا وغير أمريكا، على امل ان ينعكس ارضاؤه لاسرائيل، على طريقة ابراز، (او قل التستّر) من جانب هذه الاجهزة والوسائل على مخالفاته وتجاوزاته وفضائحه.
لعل في ذلك ما يفسر اندفاع الادارة الأمريكية الحالية، وبشكل غير مسبوق، في دعمها للسياسة وللحكومة الاسرائيلية، وهي الاكثر عنصرية وخبثا في العالم، وهي حكومة دولة الاحتلال والاستعمار الوحيدة والاخيرة في العالم، وما يفسّر تعيّين فيها سفير لها، يهودي صهيوني، ينتمي إلى الجناح الاكثر ظلامية وعنصرية في اسرائيل.
يمكن للرئيس ابو مازن ان يعبر عن رفضه المطلق، وادانته التامة للسياسة الأمريكية، وان يكسب إلى جانبه الرأي العام العالمي بغالبيته العظمى، وان يعمل على تحويل هذا التاييد إلى افعال سياسية وقرارات تطبق عمليا، دون الوقوع في خطأ الشتم، الذي يشكّل ريحا مواتية لأشرعة حكومة اسرائيل العنصرية.
لا يبرر الغضب الفلسطيني العارم والطبيعي والمشروع، من السياسة الأمريكية، كاملة الانحياز إلى الظلم والطغيان على حقوق شعبنا ومصالحه ومستقبله، والحامية والداعمة لاحتلال واستعمار العدو الاسرائيلي، فقدان الفلسطيني الاول، الاخ الرئيس ابو مازن، لاعصابه، والتراجع عن لغته الديبلوماسية، واسلوبه الادبي والعصري المشهود له، (وخاصة في حديثه مع الاطراف العربية والاجنبية)، واكثر من ذلك، عندما يكون الخطاب عبر أي من وسائل الاعلام، لأن ذلك يشكل سلاحا فعّالا بيد العدو لتشويه صورة شعبنا وقيادته، عبر النفخ في تعابير عرضية، وهي، بالقطع، ارتجالية، وتجاهل وسائل الاعلام تلك، (وهي المنحازة اصلا للعدو)، للجوهر في كلمة الرئيس، بل ووصولا إلى تسمية الخطاب الاول، "خطاب "يخرب بيتك""، وتسمية الخطاب الثاني، "خطاب "ابن الكلب"".
يعرف الفلسطينيون، من خلال صحفهم التي نشرت مقالات مترجمة من الصحف الاسرائيلية، ان بعض تلك الصحف استكتبت خبراء في "لغة الجسد"، ليشرحوا وليضخموا وليشوهوا الحالة النفسية للرئيس الفلسطيني، ابو مازن، اثناء خطابه الاول الذي نحن بصدده، وزادوا على ذلك، في معالجة خطابه الثاني قبل ايام، البحث والتلميح لحالته الصحية والنفسية.
بدون "قد" السابقة للفعل المضارع، التي تفيد التشكيك او الاحتمال، اقول بقناعة تامة، ان الرئيس الأمريكي، ترامب، ونائبه وسفيرته إلى الأمم المتحدة، وسفيره في تل ابيب، (حتى الآن على الاقل)، يستحقون بجدارة شتائم الرئيس الفلسطيني، ابو مازن، ولكن، عندما يكون الأمر متعلقا بسهم قد يرتد، فإن واجبنا التنبيه إلى ان ضرر السهم المرتد، لا يقل باي حال عن ضرر سهم العدو الموجَّه.

عماد شقور

٭ كاتب فلسطيني