آذار أزف على الرحيل ، في جنباته أحداث تسر وتفرح وتشحذ الهمم وتزرع الأمل ، وأخرى تكدر الخاطر وتعتصر القلب ألماً وتنزفه دماً وتتركنا في حيص بيص من أمرنا.
ففي الحادي والعشرين منه ذكرى معركة الكرامة ، كرامة العز والفخار ، كرامة النصر الخالد والذي حققه رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه من رجال جيشنا العربي الأردني الباسل ورجال المقاومة الفلسطينية الأبرار ، فسطروا ملحمة الرفعة والخلود والنصر على عدو لطالما تمادى في غيه وصلفه وتحديه لكل المواثيق والعهود ، فكانت الصدمة لقواته التي أثخنت فيها الجراح وولت من ساحة الوغى الأدبار ، تاركة آليات محطمة وجثث قتلى في ميدان النزال ولأول مرة منذ قيام دولة الظلم على أرض مباركة لن يدوم فيها بإذن الله وأمره الظلم ، كان لروح الفداء للوطن والعزيمة الصادقة للأشاوس هي ما أعادت الروح إلى جسد الأمة ، في ظل ظروف يحوطها الإحباط والهم والغم لنكسة أصابت القلب بالاحتشاء ، وأعطت الاحترام والنشوة لجامعة الدول العربية التي تصادف تأسيسها في اليوم التالي لهذه المعركة .
وفي الثلاثين منه ذكرى يوم الأرض الذي فرض فيه أهلنا في الجليل إرادتهم على العدو الصهيوني وأجبروه أمام مقاومتهم العنيفة وتقديمهم لعشرات الشهداء دفاعاً عن أرضهم التي حاول الاستيلاء عليها التراجع عن قانون شرّعه لهذا الغرض .
لكن هناك غصة في القلب ما زالت تدميه وكان لآثارها الوضع الذي نعيشه اليوم من تمزق وأخطار محدقة في كل كياناتنا التي صنعتها سايكس بيكو ، فالعدو الصهيوني غرباً والخطر الإيراني شرقاً والتركي شمالاً وفرقتنا التي تعبث بها قوى الشر اليورو أمريكية ، والاجتهادات الخاطئة في محاولة التلحف بأحد أعداء الأمس واليوم والغد السالفي الذكر ، ظناً أنها ستكون المنقذ وقارب النجاة من الهلاك الذي ينتظر الجميع إن لم يجر الاعتماد على النفس في مواجهة الأخطار ، لأن بقاء الأمر على ما هو عليه سيؤول لمزيد من تهميش الدور العربي الذي مرده صراعات بين الأعدقاء من العرب بل وتعصف بالجميع وتتهددهم ليبقوا في مهب الريح تعبث في مصائرهم غياب الحكمة والرشاد في سوس الأمور ، ففي هذا الشهر الذكرى المؤلمة والسنوية الخامسة عشرة لاحتلال بغداد عاصمة الرشيد التي ما زال شعبها يعاني الفوضى الخلاقة التي صنعتها أمريكا وقوى محلية عربية وإقليمية متعاونة معها.
فما نحتاج إليه اليوم للخروج من النفق المُظلم رص الصفوف ومعالجة اسباب النفور والصدام بيننا جميعاً وتجسير الهوة بين الحاكم والمحكوم بعد تلافي المعوقات التي كانت السبب في الفرقة والنفور وإلا فإنه يصدق فينا القول :"ويل لأمة عاقلها أبكم وقويها ثرثار..."
وقول الشاعر :
يعيب الناس كلهم الزمانا .. وما لزماننا عيب سوانا
نعيب الزمان والعيب فينا .. ولو نطق الزمان بنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب .. ويأكل بعضنا بعضا عيانا..!
* عبدالحميد الهمشري – كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
[email protected]