أيها الفلسطينيون لا أدري بماذا أعزيكم فالموت يأتيكم من كل مكان وزمان . لقد ماتت المصالحة ومات الحلم وماتت الثقة والمصداقية والأمل ومات كل شيئ جميل . الكثير من الناس يتسائلون ماذا حل بنا ؟ هل سوء حظ أم سوء تخطيط ؟ هل مآمرة علينا أم غباء منا ؟ فنحن كشعب مطحون لا نملك إلا سؤال لا يستطيع الخروج من الأفواه بل سيبقى قيد الذاكرة لأن الخوف حكم عليه بإقامة جبرية .
أنا شخصيا سألت نفسي لماذا الفشل حليفنا ؟ وبحثت عن إجابات تحمل دليلا قاطعا وصريحا لكل مواطن الفشل في حياتنا ووجدت أن مواطن الفشل كثيرة وتحتاج أن أقضي عمري في البحث عن حقيقة لكل موطن من هذه المواطن . ولكنني عثرت على إجابة منطقية تشفي الصدور وتوفر الوقت والمجهود وهي البعد عن الله . وهذه الإجابة قد لا تعجب الكثير من الناس لأنها تلقينا جميعا في قفص الإتهام . لأن الناس تعودوا أن يكون لكل حادث أو جريمة متهم واحد يحمل جميع التهم وهو ما يسمى في اللغة العامية "كبش فدا" . ولكن الحقيقة أننا كلنا بعيدين عن الله . وفي طبيعة الحال البعد عن الله ينتج عنه كوارث وأعباء كثيرة تحول كل شيئ جميل في حياتنا الى بيت عزاء .
أنا أتابع الأمور على الساحة الفلسطينية عن كثب بحكم طبيعة عملي ككاتب صحفي وباحث سياسي . إن الصراع على الساحة الفلسطينية ينقسم الى قسمين أساسيين وهما صراعنا مع العدو وحلفائه كمغتصب لأرضنا . وصراعنا مع أنفسنا متمثلين بالأحزاب السياسية . فانا لا أهتم لصراعنا مع العدو المغتصب لانه صراع شرعي وقواعده مكشوفة للجميع ومتاحة أيضا .
المشكلة الحقيقية والتي تنتج عن البعد عن الله وهي صراعنا مع أنفسنا كشعب حزبي ومسيس وكقيادة سياسية نخبوية على حد تعبيرهم . إنني في طريقي للبحث وجدت نظرية كونية لا جدال ولا فصال فيها وهي تتكون من عدة مراحل . البعد عن الله نتج عنه صراع دنيوي نتج عنه تقسيمات حزبية نتج عنه عمل فردي بعيد عن الجماعة نتج عنه إنفجارات في كل مكان . حتى وصلنا الى الإنفجار الأخير التي إستهدف موكب رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمدالله وهو الإنفجار الذي فتح بيت العزاء للمصالحة .
إن الإنفجار الأخير الذي إستهدف الموكب نزع فتيل جميع القنابل الموقوتة . مجموعة من الأشخاص والتي لا تزال خلفيتهم مجهولة إستطاعوا أن يثبتوا النظرية التي ذكرتها لكم في السياق . إستطاعو أن يفجرو موكب المصالحة وموكب الأمل وموكب الثقة . إستطاعوا أن يفجرو حلم شعب بأكمله . ليس ذكاء منهم بل غباء من النخبة السياسية وصناع القرار لأنهم شاركوا هذه المجموعة بتحقيق أهدافها ظننا منهم أن الجاني الحقيقي هو شخص ولم يعلموا أن الجاني الحقيقي هو هدف . وبالفعل شاركوا جميعا بتحقيق الهدف للجاني . ماذا ستفيد التحقيقات وماذا سيفيد موت الشخص الجاني "أنس أبو خوصة" والجريمة قد حققت هدفها بإمتياز وبمشاركة من جميع النخب السياسية وصناع القرار . فإذا كان أنس أبو خصة حكم على المصالحة بالموت مرة فقياداتنا السياسية حكمت على المصالحة بالموت ألف ألف مرة .
كنت أشاهد حالة المصالحة في غرفة العناية والموت السريري لأكثر من خمس شهور .وأطباء متخصصون ومكلفون من المخابرات المصرية يشرفون عليها ولكن دون فائدة . وشاء القدر وجاء أنس ابو خوصة ومجموعته وقرروا حسم الموضوع وحكموا على المصالحة بالموت النهائي . أيها الشعب الفلسطيني المطحون لا أستطيع أن أقدم لكم يد العون لأنني عبد فقير وليس من صناع القرار . ولكنني استطيع أن أقول لكم . أيها الفلسطينيون أعظم الله أجركم ..
بقلم/ أشرف صالح