خطاب عباس وخيارات حماس

بقلم: حسام الدجني

ألقى الرئيس محمود عباس خطابًا مهامًا أمام القيادة الفلسطينية برام الله تعقيباً على محاولة الاغتيال الآثمة التي استهدفت رئيس حكومة التوافق رامي الحمد الله ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج ومرافقيهم  خلال زيارتهم لغزة لافتتاح أحد المشاريع الدولية يوم 13/3/2018م.

اتهم الرئيس عباس بشكل مباشر حركة حماس بالوقوف خلف جريمة استهداف موكب الحمد الله، رابطاً بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين في تبني سياسة الاغتيالات، رافضاً بشكل قاطع التحقيق الذي تجريه وزارة الداخلية في قطاع غزة.

وصف الرئيس عباس في خطابه حركة حماس بالانقلاب أكثر من مرة خلال خطابه وهي لغة جديدة تعيد للوعي الجمعي الفلسطيني لغة الانقسام البغيض والسجالات الإعلامية التي رافقته في يونيو حزيران/2007م. متهماً الحركة بأنها تآمرت على المشروع الوطني بالتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا يعني ضمناً اتهام حماس بالخيانة العظمى، وأيضاً اتهم حركة حماس بأنها تدّعي الإسلام والإسلام منها براء بعد أن حلفت يميناً على أسوار الكعبة وبعد ثلاثة شهور انقلبت على نفسها.

لم يكتف الرئيس عباس خلال خطابه على ذلك بل حمل الخطاب تهديدات ضمنية بقدرة السلطة وحركة فتح أن تصل يدها لمن تشاء في أي مكان حتى في الولايات المتحدة أو لبنان أو قلب غزة، إلا أن البعد الوطني يمنعنا من ذلك.

وفي نهاية الخطاب اتخذ الرئيس عباس قراراً يقضي باتخاذ إجراءات قانونية ومالية وإدارية ضد قطاع غزة للحفاظ على المشروع الوطني.

هذا الخطاب لاقى رفضاً شعبياً وفصائلياً من البعض وترحيباً من البعض الآخر بما يعكس حالة الاستقطاب في الساحة الفلسطينية، إلا أن التساؤل الأكثر أهمية يتمثل في تداعيات الخطاب وخيارات حماس للتعاطي مع المرحلة المقبلة.

أولاً: تداعيات خطاب عباس

سيكون للخطاب تداعيات خطيرة على قطاع غزة، وعلى المشروع الوطني الفلسطيني، وذلك على النحو التالي:

    أربعة منظمات دولية – (الأمم المتحدة – الأونروا – منظمة الصحة العالمية – هيومان رايتس ووتش) – أكدت على أن قطاع غزة على شفا الهاوية، وأن الشعب الفلسطيني في غزة يعيش واقعاً إنسانياً بالغ الصعوبة بسبب الحصار الصهيوني أولاً ثم بسبب العقوبات التي فرضها الرئيس عباس في مارس/2017م وتمثلت في استقطاع 30% من قيمة السيولة النقدية التي تقدمها السلطة الفلسطينية لقطاع غزة على شكل نفقات تشغيلية ورأسمالية. وكما جاء بالخطاب أن الرئيس عباس اتخذ مزيد من الإجراءات القانونية والإدارية والمالية لإنقاذ المشروع الوطني، هذا يعني أن غزة مقبلة على مزيد من العقوبات التي ستزيد من الواقع المأساوي في غزة مأساويةـ والتي قد تساهم في ضياع المشروع الوطني لا خدمته كونها ستدفع الشعب الفلسطيني لخيارات في مجملها لا تنسجم وتطلعات شعبنا بالعودة والتحرير.
    قبل الخطاب كانت المصالحة الفلسطينية تعاني موتاً سريرياً، ولكنها لم تمت، إلا أن الخطاب أعلن وبشكلٍ واضح أن الرئيس عباس قرر رفع الأجهزة الطبية عن المصالحة وهذا يعني وأدها.
    الخطاب عكس ملامح المستقبل القريب، ورغبة الرئيس بإجراء  تعديلات في تركيبة النظام السياسي الفلسطيني خلال جلسة المجلس الوطني المزمع عقدها يوم 30/4/2018م، ومن تلك الإجراءات المحتملة: حل المجلس التشريعي، واعتبار المجلس الوطني برلمان الدولة الفلسطينية، واستحداث منصب نائب الرئيس بما يضمن تجاوز معضلة أن يكون رئيس المجلس التشريعي هو رئيس السلطة الفلسطينية في حال شغر منصب الرئيس حسب القانون الأساسي المعدل لعام 2005م.

ثانياً: خيارات حماس

أمام حركة حماس وشعبنا الفلسطيني في قطاع غزة خمسة خيارات:

    خيار الصمت والمراهنة على الوقت:

 جوهر هذا الخيار مراهنة حركة حماس على مرحلة ما بعد الرئيس عباس لا سيما في ضوء التقارير الصحفية التي تشير إلى مرض الرئيس وهو ما ظهر واضحاً في خطابه أمام مجلس الأمن، وكذلك خطابه الأخير وحالة العصبية والخروج عن النص في تجاوز واضح للأعراف الدبلوماسية التي لطالما تحلى بها الرئيس عباس في خطاباته.

وعليه تكتفي حركة حماس بالتعقيب على محتوى الخطاب من خلال بيان صحفي، مع تكثيف التواصل الاقليمي مع أصدقاء الحركة في بعض الدول العربية.

    خيار عقد جلسة طارئة للمجلس التشريعي:

سيناريو مرجح ومحتمل بأن يتم عقد جلسة طارئة للمجلس التشريعي تشارك فيها: كتلة حماس البرلمانية ونواب التيار الإصلاحي الديمقراطي، وأن يعمل التشريعي على سحب شرعية حكومة التوافق، وإجراء تعديلات في القانون الأساسي تضمن الإطاحة بالرئيس عباس، أو على أقل تقدير تمهد الطريق لمرحلة ما بعد عباس، ولكن هذا يتطلب استحقاقات من حركة حماس تبدأ بانتخاب هيئة رئاسة جديدة للمجلس التشريعي تكون مقبولة دولياً وإقليمياً لسد الطريق أمام سيناريو حل التشريعي.

ما سبق يحتاج حضور وتصويت بأغلبية ثلثي النواب، وهو متوفر لدى كتلة حماس وكتلة النائب دحلان لوحدهم.

    الإعلان عن فشل المصالحة والبدء بخطوات تشكيل حكومة إنقاذ.

من المحتمل أن تخرج حماس في مؤتمرٍ صحفي وتحمّل الرئيس عباس مسئولية إفشال المصالحة وتبدأ خطوات تشكيل حكومة أو مجلس إنقاذ وهي فكرة تلقى قبولاً لدى أوساط مهمة في قطاع غزة، وسبق وأن تحدثت حركة حماس من خلال نوابها في المجلس التشريعي حول الفكرة، كما تحدث بها النائب محمد دحلان، وجوهر الفكرة العمل على إدارة قطاع غزة من خلال نخبة سياسية وإدارية تدعمها الفصائل الفلسطينية في جلب المساعدات والمنح الدولية وكذلك جلب حقوق غزة من المقاصة الضريبية التي تجبيها السلطة الفلسطينية وتبلغ مليار وثلاث مائة مليون دولار سنوياً، إلا أن هذه الفكرة تصطدم عند هواجس تجسيد الانقسام وصولاً للانفصال بما يتماشى مع صفقة القرن، وهو ما يدفعنا للتساؤل: طالما أن الرئيس عباس يرفض صفقة القرن ويعمل على إفشالها، لماذا يصر على مزيد من العقوبات التي ستدفع الغزيين لخيارات طارئة لا يقبلونها ولكنهم مضطرون للذهاب إليها..؟.

    خيار عودة حماس لحكم غزة.

خيار مستبعد ولكنه ممكن، مستبعد لأسباب موضوعية أهمها ضعف القوة الشرائية في غزة نتيجة عقوبات مارس/207م، فكيف سيكون الحال بعد العقوبات الجديدة..؟ سنكون أمام ضعف في التحصيل الضريبي، وهذا من شأنه رفع مؤشرات فشل حكومة حماس بصرف رواتب موظفيها، أو تنفيذ أي مشاريع تحد من البطالة وتلبي احتياجات قطاع غزة في مجالات البنية التحتية والتنمية والصحة والتعليم والطاقة الخ… وهو ما يزيد من حالة النقد الموجه للحركة من قبل الأوساط الشعبية، ويؤثر على شعبيتها، وقد أدركت الحركة حجم تأثر الحاضنة الشعبية نتيجة ممارسة الحكم وعدم تلبية أبسط متطلبات السكان نتيجة الحصار وسوء الإدارة.

    تمكين حكومة التوافق الوطني.

بعد حديث الرئيس عباس الواضح في مسألة السلاح وربطه بشكل صريح بأن المقصود كل السلاح – فوق الأرض وتحت الأرض- بما فيه سلاح المقاومة، وفرض مزيد من العقوبات على غزة، كل ما سبق ووفقاً لسيكولوجية الإنسان الفلسطيني فإن فرص القبول والإذعان تحت التهديد تكاد تكون منعدمة، لاسيما عند الحركات ذات المرجعية الدينية كحركة حماس، لذا فإن هذا السيناريو مطروح ولكن مؤشرات تحقيقه تكاد تكون منعدمة، إلا في حالة واحدة تدخل مصري وعربي لتنفيذ استحقاقات المصالحة حسب الاتفاقيات الموقعة بين حركتي فتح وحماس.

الخلاصة:

الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية تمر في مرحلة بالغة الخطورة، فمن جانب أصبح الإنسان الفلسطيني مستهدفاً من الاحتلال الصهيوني، ومن الانقسام. ومن جانب آخر فإن المشروع الوطني الفلسطيني يتعرض لتصفية حقيقية من خلال صفقة القرن، وللأسف الشديد ثمة رابط بين استهداف الانسان كأحد أهم ركائز المشروع الوطني وبين استهداف المشروع الوطني نفسه، والأسف هنا مرتبط بفشل القيادة السياسية لشعبنا التي تساهم بقصد أو بدون قصد في تمرير صفقة القرن.

بما أن قاعدة المصالحة لدى الرئيس محمود عباس تقوم على مرتكز ذكره بالخطاب: (يا بتشيل يا بشيل)، وهو مرتكز يؤسس لعملية إقصاء لا شراكة سياسية، ويؤسس أيضاً لانفصال قطاع غزة عن الوطن، ويطرح تساؤل: ماذا لو وافقت حماس على تحمل المسئولية تجاه سكان قطاع غزة، هل سيمنح الرئيس عباس قطاع غزة ما له وما عليه من حقوق وواجبات..؟ هل ستحصل حماس على مليار وثلاث مائة مليون دولار سنوياً من المقاصة، وعشرات الملايين من الشركات الكبرى مثل: جوال والوطنية وباديكو..؟.

إنه منطق اللامنطق، فشعبنا الفلسطيني ينتظر وحدة وطنية حقيقية تنقذ ما يمكن إنقاذه من حالة الضياع والتيه التي تعيشها قضيتنا، وبما أن كافة المعطيات لا تحقق ما سبق فإن الخيار الأمثل لدى جميع الأطراف يتمثل في الذهاب لانتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني وبلديات ونقابات، وليقرر شعبنا من يمثله.

د. حسام الدجني :

[email protected]