أعلنت الادارة الأميركية , أنها لن تقدم حاليا على طرح مبادرتها التي أسمتها " صفقة القرن " , أو " صفقة العصر " للسلام في الشرق الأوسط , التي كان من المتوقع أن يعلنها الرئيس دونالد ترامب قبل نهاية شهر مارس 2018 , وتشير كافة التوقعات إلى أن الصفقة ستؤجل لمدة عام على الأقل , لأنه لا يمكن عرضها في ظل الرفض الفلسطيني , الذي يقفه الرئيس محمود عباس ( أبو مازن ) , متحديا الادارة الأميركية , ورده على الصفقة بصفعة في وجه أميركا , وذلك بعد اعلان ترامب الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل , ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس في الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطيني , واقامة دول اسرائيل.
لم تُجدِ كل التهديدات الأميركية للرئيس عباس للموافقة على الصفقة , التي لم تطرح بشكل رسمي , وإن بدت ملامحها من الاجراءات والابتزاز الأميركي , من وقف الدعم المالي للسلطة الوطنية , وتقليص الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) , وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن , تلك الاجراءات التي بدأت بالقدس , واعلنت بعدها الادارة الاميركية , ان القدس لم تعد مطروحة للنقاش على طاولة المفاوضات , ثم محاولة اخراج قضية اللاجئين أيضا من خلال وقف دعم وكالة ( الأونروا ) , وكذلك الحديث عن بقاء المستوطنات في الضفة الغربية , وبقاء قوات الاحتلال في غور الأردن في أي اتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
الموقف الصلب للرئيس عباس في مواجهة أميركا واسرائيل , تبعه أيضا الرفض الفلسطيني لضغوط بعض العرب , لقبول صفقة العصر , مما أدى إلى تراجع تلك الضغوط , واعلانها أنها لن تستطيع الموافقة على الصفقة بالصيغة التي تعرضها واشنطن , بعد مفاجأة الجميع بالقرارات الاميركية بشأن القدس , وابلاغ الادارة الاميركية , أن الموقف الاميركي أدى إلى تراجع العرب في الضغط على أبو مازن .
الناظر إلى القائمين على صياغة صفقة العصر , والاشراف على ملف السلام في المنطقة , يتأكد له دون عناء , أن تشكيل القائمين على الملف هم من أكبر المناصرين لإسرائيل , بالإضافة إلى أنهم من اتباع الديانة اليهودية , أو من المحافظين المتشددين , الذين لا هم لهم سوى مصلحة اسرائيل , فاللجنة الثلاثية التي يرأسها صهر الرئيس ترامب وزوج ابنته الأثيرة ايفانكا , جاريد كوشنير , ومساعده جيسون جرينبلات , والسفير الأميركي في اسرائيل ديفيد فريدمان , الذي يستفز الفلسطينيين والعرب والمسلمين بأداء طقوس الصلاة التلمودية عند حائط البراق (المبكى) على السور الغربي للمسجد الأقصى , كل يوم سبت , والذي استفزت تصريحاته بشأن المستوطنات , التي قال إنها تبنى في الأراضي الاسرائيلية في ( يهوذا والسامرة ) وليس الضفة الفلسطينية المحتلة , واضطرت الرئيس أبو مازن إلى الخروج عن الأعراف الدبلوماسية, ونعته للسفير فريدمان بـــ ( ابن الكلب ) , الذي صرح مؤخرا أن الادارة الاميركية تعمل على ايجاد بديل للرئيس محمود عباس , من أجل العودة للمفاوضات , والقبول بصفقة العصر , حيث جاء الرد الفلسطيني القوي على تصريحات فريدمان , والتي أكدت أن أي قوة في العالم لن تستطيع أن تفرض على الشعب الفلسطيني رئيسا , وأن تلك التصريحات تتجاوز كافة الخطوط والاعراف المتفق عليها دوليا، وأن الشعب الفلسطيني لن يقبل محاولات المساس بقيادته ورموزه الوطنية، ولن يقبل التدخل من أَي طرف كان بشؤونه الداخلية , وأن تلك التصريحات تشكل انحيازا سافرا للاحتلال، بل وتعبر تماما عن جوهر الاحتلال والاستيطان وقهر الشعوب، كما أن السفير الأميركي عبر عن المشهد المنحدر الذي يسود الآن ويتم العمل به ضد القضية الفلسطينية والمنطقة... وبعد ردة الفعل الفلسطينية , خرج علينا السفير الأميركي بتغريدة على " تويتر " يقول فيها إن تصريحاته قد أخرجت عن محتواها ومعناها , وإنه لم يطالب بإزاحة الرئيس عباس وايجاد بديل له .
التراجع الأميركي أمام الصمود والتحدي الفلسطيني الذي يقوده الرئيس محمود عباس , لم يقتصر على تأجيل طرح صفقة العصر , أو تراجع السفير الاميركي فريدمان عن تصريحاته ضد الرئيس أبو مازن , بل تم الاعلان أيضا في اسرائيل , أن الرئيس الاميركي ترامب لن يحضر احتفال افتتاح السفارة الاميركية في القدس منتصف مايو المقبل , على الرغم من الدعوة الرسمية , التي وجهها له رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولا شك أن الموقف الفلسطيني الصلب الذي اتخذه الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية , يستوجب الالتفاف الفلسطيني الشامل حول القيادة الشرعية , بإنهاء الانقسام من قبل حركة حماس, وعودة اللحمة بين شطري الوطن في الضفة والقطاع , لإفشال كافة الطروحات التي تنقص من حقوق الشعب الفلسطيني , سواء بصفقة العصر , أو دولة غزة الممتدة إلى جزء من سيناء, أو الدولة ذات الحدود المؤقتة , أو دولة الحكم الذاتي والكانتونات على جزء من الضفة الغربية المحتلة .
د. عبد القادر فارس