* يوم الأرض كان يوما نضاليا من أجل حقوق الأقلية العربية في إسرائيل* نعود كل سنة الى المزايدات السياسية دون تعبئة الجماهير للمشاركة في فعاليات يوم الأرض* الأجيال الجديدة بعيدة عن فهم الأهمية التريخية لاعلان يوم الأرض* سيقف "القادة" الخطابات الحماسية ستيلاشى رنينها بالباص العائد بالمشاركين الى بلداتهم* لنبن مجتمعنا قوياً، مثقفاً، عقلانياً، متنوّراً، ثريّاً بالفكر الإنساني، والاستعداد للتعاضد والتكامل الاجتماعي وللتجند وراء مطالبه الحيوية*
********
لا نقلل من أهمية ذكرى يوم الأرض وضرورة تحويل هذا اليوم إلى يوم نضالي من أجل حقوق الأقلية العربية في إسرائيل. لكن ما ألاحظه منذ سنوات هي عملية مزايدة لا علاقة لها بالواقع والظروف السياسية وبجاهزية الجماهير للمشاركة في فعاليات يوم الأرض.
هل عدنا، كما في كل سنة من السنوات الأخيرة إلى المزايدة السياسية الجوفاء؟ هل يظن رئيس وأعضاء لجنة المتابعة ان المشاركة ببرامج يوم الأرض لا يحتاج إلى تحضير الشارع ورفع الجاهزية السياسية للجماهير؟ إلى توعية بظروف خاصة يجب تأكيدها وتعبئة الشارع الفلسطيني داخل إسرائيل للقيام بها؟
هل هي لعبة لتحقيق مكاسب شخصية تخدم شخصا أو أشخاص محددين حتى على حساب هذا اليوم الخالد في ذاكرة شعبنا؟
الأرضية الجماهيرية غير جاهزة لمثل هذه اليوم، واكاد أجزم أن الأجيال الجديدة بعيدة عن فهم أهمية اعلان يوم الأرض التاريخي .. وأهمية المشاركة بهذه الذكرى النضالية.
أمامنا مهمة لا تقلق قادة هذه الجماهير، أصلا قيادتهم بالأسلوب الذي نعرفه هي أكبر ضرر للجماهير العربية في إسرائيل. كتبتُ مرّة واكرر ذلك اليوم: إذا لم نبن مجتمعنا قوياً، مثقفاً، عقلانياً، متنوّراً، أخلاقياً، مليئاً بالجماليات، ثريّاً بالفكر الإنساني، بالاستعداد للتعاضد والتكامل الاجتماعي، بجاهزية كاملة للتجند وراء مطالبه الحيوية، ولا أستثني السياسة من هذه المطالب، ستبقى كل ممارساتنا الثقافية والسياسية تعاني من قصور في الرؤية، من العجز في فهم دور الثقافة الاجتماعي والحضاري، وكيفية توجيه ودعم وتطوير حياتنا الثقافية وبناء نهجنا السياسي، تطوير خطابنا السياسي العقلاني، وهو الخطاب القوى والأكثر تأثيرا .. ولكنه الغائب الكبير من ثرثرتنا السياسية!!
من المهم معرفة مدى جاهزية الجماهير للمشاركة بهذا اليوم النضالي، هل هم على معرفة بالحقائق التاريخية والنضالية التي قادت لإعلان يوم الأرض؟ لم أجد أي مادة إعلامية حول يوم الأرض، مجرد إعلانات وقرارات فوقية لا تقول شيئا للمجتمع العربي داخل إسرائيل. الموضوع ليس مجرد المشاركة بذكرى حدث تاريخي او بإضراب بمناسبة يوم الأرض.
لا تنقصنا المطالب، ولا الشعارات ولا الغضب على سياسة السلطة العنصرية. لكن هل هذا لوحده يشكل معياراً صحيحاً لطرح موضوع نشاط ما في ذكرى يوم الأرض؟!
سبق وأن كتبت حول نفس الموضوع في السنة الماضية وما قبلها وها أنا اكرّر موقفي. قرار الاحتفال بذكرى يوم الأرض يحتاج إلى جو سياسي نضالي لا أراه قائما، لا أرى أن القيادات العربية، أعدت جماهيرها لتعبئة سياسية نضالية واعية. أكاد أجزم ان نفس الوجوه هي التي ستشارك بدون تغيير. سيقف "القادة" على المنصة ويلقون خطابات حماسية او نارية، قد تطرب خطاباتهم بعض الجمهور، لكن ستتلاشى رنين خطاباتهم بالباص العائد بالمشاركين الى بلداتهم ومنازلهم.
هدف يوم الأرض ان يخطط له ليكون صدمة لكل المجتمع الإسرائيلي وخاصة اليهودي. ان نوصل معاناتنا من سياسات التمييز العنصري، سياسة مصادرة الارض وعدم تخصيص مساحات لتطوير بلداتنا العربية. غياب مشاريع إسكان، غياب مناطق صناعية، تحويل بلداتنا الى مجرد فنادق للعمال الذين يشتغلون بأغلبيتهم الساحقة بشركات يهودية. بحيث يكون لهذا اليوم رد فعل سياسي في الدولة كلها، وليس مجرد مظاهرات قليلة العدد بالمشاركين وخطابات مهما كانت حماسية ستتلاشى بعد دقائق من انتهاء الخطيب من القاء كلمته.
أسأل نفسي .. يهمني ان اشارك لكن ما هو المضمون الذين سينجز من مشاركتي ومشاركة عشرات الألوف من أبناء شعبنا؟ هل التصفيق لقادة الأحزاب هو الهدف من اجل ضمان عودتهم الميمونة لعضوية الكنيست، او لمناصب براقة لكن لا قيمة فعلية لها؟
شعبنا لم يفقد حسه الوطني، لكن هناك حالة تسيب سياسي واجتماعي وثقافي وفكري لم اشهد مثيلا لها خلال تجربتي التي لم تتوقف منذ بداية الستينات من القرن الماضي.
أن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية غائبة عن الجماهير، ويصح القول انها اسم بلا مسمى. مجرد هيئة هلامية لا اعرف ضرورتها. الضرورة لوجودها تتقلص وتذوى نتيجة تحولها إلى لجنة منفعية تخدم شخصيات ولا تخدم قضايا مجتمعية ملحّة. ولم يعد سرا ان رئيسها يستغلها في مسار انتمائه الحزبي، كما جرى بموقفه السلبي من رئيس بلدية الناصرة علي سلام !!
لا أستهتر بأهمية لجنة متابعة. السؤال كيف تتحول إلى لجنة تقود وتوجه مجمل النضال الوطني للعرب في إسرائيل، عبر رؤية سياسية استراتيجية وليس مجرّد نزوات وقرارات فوقية!!
ما أطرحه ليس جديدا، لكنه بات ملِحّا في السنوات الأخيرة مع تنامي الفاشية في إسرائيل .. خاصة ظاهرة تكاثر القوانين العنصرية وعلى راسها قانون القومية.
لجنة المتابعة لم تقم من أجل يوم الأرض فقط، قضايا المجتمع العربي في إسرائيل كثيرة وملحّة جداً، وفي مجالات حيوية تحتاج إلى ملاحقة يومية، وليس إلى لجنة "حاضرة اسما وغائبة فعلا".
ما أراه أن لجنة المتابعة باتت لجنة تشريفات أكثر مما هي لجنة لتوجيه النضال، وطرح الأهداف السياسية وملاحقتها، والإعداد لمواجهة العنصرية المتفشّية في مؤسسات السلطة، وفضح التشريعات العنصرية على مستوى الدولة والمستوى الدولي، وخوض معركة شعبية وبرلمانية وقانونية متواصلة لفضح الممارسات والتشريعات العنصرية المعادية للأقلية العربية.
هل سيقنعونني الآن بأن الدعوة للمشاركة بذكرى يوم الأرض، ستلقى حماساً جماهيرياً، وكأنها المطر بعد الانقطاع الطويل؟!
نبيل عودة