أنا أكون لأننا نكون

بقلم: أحمد عليان عيد

وضعت عنوان هذا المقال من قصة حقيقية عندما تتعرف عليها ستتعجب!! وضعت هذا العنوان لكي ألفت انتباهك، فهناك أشياء مهمة تحتاج منا الانتباه والتركيز مثل التعاون مع الآخرين، فالتعاون ضروريٌ من أجل قضاء حاجات الإنسان الكثيرة، فالإنسان وحيداً لا يستطيع أن يلبي احتياجاته فهو بحاجةٍ للآخرين فكل شخصٍ يضيف للآخر من أفكاره وخبراته، فكل إنسان له دورٌ، ويتمتع بموهبةٍ وميزةٍ ما، وعند دمج هذه المواهب معاً فإن الناتج سيكون مميزاً، مما يؤدي إلى تكامل المجتمع. وإن المتأمل في هذا الكون يرى أن الله – جل وعلا- بث في هذا الكون توازنًا خفيًّا ينجذب الناس إليه كما تنجذب الأشياء في صور وأوضاع كثيرة ومدهشة، نعرف بعضها ونجهل أكثرها. دائمًا تلمس آفاق ذلك التوازن وسننه في الأنفس والمجتمعات والدعوات والثقافات حتى نتناغم معه و نسعى إلى تحقيقه، ونعمل في إطاره، فالقرآنُ الكريم والسنة النبويةُ نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم تبياناً ورحمةً للبشرية ودستوراً للحياةِ الأولى-الحياةِ الدنيا- واهتمت بأدق التفاصيل فيما ينفع العلاقات ِالإنسانيةِ وأرشدت الإنسان للسلوكِ السوي ّالسليم الذي فيه صلاحُه و صلاحُ مجتمعِه الذي يعيش ُفيه.

ونجد أن التعاون بين البشرية هو نقطةُ البدء الصحيحةِ دائماً لمن أرادَ استعادة َالسبقِ والمبادرة ِلمصلحة هذه الأمة، ومنطلقاً لعلومٍ وفنونٍ وأسسٍ حضارية سادت حينما تمسكت به جوهراً وهدياً. قال تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"(المائدة:2). هذا وقد ظهرَت مفاهيمُ التّضامن والتّعاون وتشاركيّة صنع القرار جليّةً في المُجتمع الإسلاميّ، وذلك عن طريق تطبيق مبدأ الشّورى الرّاسخ في عقول المسلمين وأفعالهم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى"(البخاري:6011).
ومن هذا المنطلق سأتحدث عن هذه الغاية التي يحتاجها كل إنسان عاقل، لأنني فعلاً أريد من الجميع أن يتعرفوا على هذا الأمر المهم من أجل تكامل الذات من خلال وجود الآخر، وهو من الأشياء التي يشعر الشخص فيها بالتكامل والتقبل لذاته. وذلك من خلال قصة حقيقية لأحد علماء الأنثروبولوجيا: حيث قام بعرض لعبة على أطفال أحد القبائل الأفريقية البدائية... فوضع سلة من الفواكه اللذيذة قرب جذع شجرة، وقال لهم : بأن أول طفل يصل إلى الشجرة سيحصل على السلة وما فيها، ثم أعطاهم الإشارة بالبدء، ولكن تفاجأ بهم يسيرون سوية ممسكين بأيدي بعضهم حتى وصلوا الشجرة وتقاسموا الفاكهة ..!عندما سأل الأطفال لماذا فعلوا ذلك ؟؟ فيما كل واحد بينهم كان بإمكانه الحصول على السلة له فقط. فأجاب الأطفال بتعجب : أوبونتو Ubuntu أي كيف يستطيع أحدنا أن يكون سعيداً فيما الباقين تعساء، وتعني أوبونتو Ubuntu في حضارة Xhosa: ((((( أنا أكون لأننا نكون ))))).
إن المتأمل في هذه القصة لأولئك الصبية في تلك القبيلة البدائية يجد إن تلك القبيلة البدائية أنهم عرفوا سر السعادة الذي ضاع في جميع المجتمعات المتعالية عليها والتي تعتبر نفسها مجتمعات متحضرة...!! ويجد أيضاً أنهم عرفوا سر السعادة، التعايش، التعاون، النماء، تقبل الآخر، المحبة، الذي ضاع من نفوس ترى نفسها فوق غيرها، فالسعادة شعور لا يضاهيه أي شعور، وعندما تمتلكها تشعر كأنّك ملكت كنوز الدنيا والسعادة سر لا تعرفه إلا النفوس المتسامحة المتواضعة التي شعارها ( أقبل القسمة على الجميع ) بمعنى نحن وليس أنا، فكل شيء ينقص إذا قسمته على اثنين إلا (السعادة) فإنها تزيد إذا تقاسمتها مع الآخرين... فلا تبخلوا بها على أحد.
تم بحمد الله تعالي

بقلم: أ. أحمد عليان عيد ماجستير صحة نفسية ومجتمعية