يغادرنا الصديق والرفيق والمناضل والقائد احمد مصطفى مراد " ابو اسامة " التي برزت فيه صفات الشجاعة والجرأة والاقدام والتفاني ونكران الذات، رفيقاً تكاملت فيه العديد من الصفات فاستطاع أن يجسد الإحساس النضالي بكل جوانبه، فكان بحق نموذجاً متكاملاً مؤمناً بقضية شعبه وبعدالة قضيته لأبعد الحدود، مناضلاً وطنياً بامتياز تجسد ذلك في علاقته المتميزة مع ابناء شعبه ومختلف الفصائل والقوى الفلسطينية واللبنانية ومع أهالي مخيم عين الحلوة الذي ترعرع به، وظل وفياً له، ومع مخيمات شعبنا ، عرفناه ثابتاً في مواقفه، دمث الأخلاق، انسانياً بامتياز، متواضعاً، اتفق الجميع صغاراً وكباراً على أن فقدانه يعد خسارة كبيرة.
يرحل احمد مراد وتستمر مسيرة النضال ، مسيرة حافلة بالعطاء والتضحيات ، عناوينها مناضلون مخلصون حملوا على عاتقهم أمانة استمرارية المسيرة ، هذه المسيرة الذي انخرط فيها منذ نعومة أظفاره في العمل الوطني والنضالي ممارسا كافة أشكال النضال ، عرفناه مقداما مبادرا ومفكرا ، معطاء لا يستكين ولا ييأس رغم سوداوية وبشاعة المراحل التي مر بها شعبنا الفلسطيني ومحطات اللجوء والتشرد والمعاناة ومرحلة الانقسام التي تخيم على أجوائنا الفلسطينية ، الا انه كان مؤمنا بان منظمة التحرير الفلسطينية هي الخيمة الوطنية والكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد ، أفنى حياته في النضال في الثورة الفلسطينية ، اليوم يرحل عنا بصمت مثالا للعطاء والتضحية والبساطة ، سيفتقده رفاقه واصدقائه وعائلته احمد مراد الذي بقي قابضاً على المبادئ كالقابض على الجمر، رغم كل الظروف والتحولات والعواصف.
مما لا شك فيه أن مسيرة القائد احمد مراد مسيرة حافلة بالدروس والاستخلاصات، مسيرة الآمال والآلام التي عاشها الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة، ولا نغالي حين نفتقد رفيقا ومناضلا هو انتمى لجبهة التحرير الفلسطينية وتحمل مسؤوليات عديدة ومن ثم كان انتمائه الاخير لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني متمحلا مهمام نضالية وممثلا عنها في لجنة المتابعة المركزية للجان الشعبية في لبنان ، حيث نفقتد ابنا بارا لفلسطين ، فهو يرحل في يوم الارض مع شهداء مسيرة العودة الكبرى مع ذكرى النكبة السبعين، دون أن يشفى من جراح النكبة، لا لأنها كانت تراجيديا تاريخية كبرى،بل لأنها ما زالت مستمرة.
فليعذرنا الشهداء من ضعف قدراتنا اللغوية، ونحن نكتب عن المناضل احمد مراد الذي عرفته القائد الإنسان، الثوري الصلب، المتمسك بعقل واعٍ بحقوق وأهداف شعبه، بدون أن تنحرف بوصلته ،صاحب نكتة لكنه قابل للغضب إزاء الظلم والعوج والانتهاكات ، رجل كرس جل حياته ، لوضع القيم والمثل السياسية والفكرية والأخلاقية والإنسانية موضع التنفيذ.
يرحل احمد مراد في مرحلة من أخطر المراحل التي تمر بها قضيتنا الفلسطينية ومشروعنا الوطني، حيث مخاطر التبديد والتفكيك والتصفية للقضية والمشروع الوطني حقيقية، والخطر لا يتأتي عليها فقط من إنقسامنا وتشرذمنا الداخلي، بل هناك ما هو أخطر من ذلك بأن قوى وأطراف عربية، أصبحت شريكة للمحتل في مشاريع تصفية قضيتنا، ضمن ما يسمى بالحل الإقليمي، وكثير من تلك الدول تتحلل من التزاماتها الوطنية والقومية، ولم تعد تمارس فقط دور الوسيط مع المحتل، بل هي أقرب إلى المحتل وشركائه في فرض حلول تصفوية على شعبنا.
ختاما : احمد مراد هو من الجيل الذي التحق بالسفينة ، سفينة الوطن رغم الأمواج ، كان له رؤيته وتحليله الخاص ، مؤكدا ان انتصار أي ثورة يكون بالوحدة الوطنية ، مع حرصه على المقاومة، وهو يرحل و أنتفاضة شعبنا في فلسطين تحمل مضامين كبيرة ومعاني كثيرة و تمثل مرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني من الممكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من النضال العربي برمته، من خلال ما رسمته دماء شعبنا التي سالت في قطاع غزة والضفة التي تفرض علينا أن نفكر بمسؤولية وجدية ، تفرض علينا أن نستنفر كل طاقاتنا وأمكانياتنا … ان نكون صادقين واضحين في كل كلمة نقول ، وأن نسد كل فجوة ما بين القول والممارسة فشعبنا يستحق منا هذا الشعور العميق بالمسؤولية ولكن نقول للشهيد احمد مراد لقد غرست انت وامثالك والشهداء وفي مقمتهم القادة العظام الرئيس الرمز ياسر عرفات والحكيم وابو العباس وطلعت يعقوب وابو علي مصطفى وسمير غوشة وعمر القاسم وسليمان النجاب في الشعب والجماهير قيماً وأفكاراً ومبادئ، ستبقى خالدة فيهم، يستلهمونها في نضالاتهم وتضحياتهم، ويقسمون أن يسيروا على هديكم ونهجكم، رغم قسوة المرحلة ورداءتها، ولكن الشعب الفلسطيني لم ولن يتعب أو ينهزم، وسيبقى يناضل ويواصل المشوار حتى تحقق أهدافه في العودة والحرية والإستقلال.
بقلم/ عباس الجمعة