إن شعبنا الفلسطيني ببسالته وصموده في وجه العواصف السياسية الكبرى التي استهدفت قلب الموازين والنظريات وهو يواجه المحتلين منذ سبعين عاما، ولم تعد نظرية الجيش الذي لا يقهر ظاهرة بل وتحطمت وتكسرت هذه النظرية, حطمها الصغار من أبناء شعبنا قبل الكبار، ولم تعد مقولة الكبار يموتون والصغار ينسون موجودة في قاموس شعبنا الفلسطيني، بل يتشبث أبناء شعبنا صغارا وكبارا بأرضه أكثر من أي يوم، وما حدث بالأمس القريب من خروج الآلاف من الحشود في يوم الأرض هو أكبر دليل على التمسك بكل ذرة تراب من أرضنا الفلسطينية من بحرها إلى نهرها.
إن الدماء الطاهرة الزكية التي سالت في مسيرات العودة الكبرى على حدود قرانا ومدننا المحتلة وروت ثرى هذه الأرض الطيبة, حملت رسائل الثبات والصمود والوفاء والتحدي من قلب الميدان .. هذه الدماء حملت رسائل في وجه الاحتلال الصهيوني وفي وجه العالم والمجتمع الدولي أننا لن نفرط في أرضنا وثوابتنا وأننا سنواصل مقاومتنا في وجه الكيان؛ ورسالة أخرى مهمة للعالم, وأن الضغط والانفجار الشعبي في غزة لن يكونا إلا في وجه الاحتلال، وسيقتلع شعبنا الحدود والسدود والأسلاك الزائلة من أجل أرضنا ومن أجل ديارنا التي هجرنا منها عام 1948. لقد أحدثت هذه المسيرات صدى واسعا في كافة أرجاء العالم، بل إن الدماء التي سالت والحشود التي خرجت هي رسالة شعب ينبض بالجهاد والاستشهاد والمقاومة، حملت رسالة رفض لكافة مشاريع التسوية والتوطين والتشريد ورسالة رفض واستنكار لمشروع صفقة القرن الأمريكية، بل حملت رسالة للقدس والمسجد الأقصى المبارك أننا عائدون عائدون، وبإذن الله سترجع أرضنا وستزول الحدود والحواجز الإسمنتية التي تفصلنا عن قرانا ومدننا التاريخية.
إن الأرض هي العمق الاستراتيجي للإنسان الفلسطيني المتجذر فيه منذ آلاف السنين، هذه الأرض رغم ما تمر به من أحداث وأعاصير سياسية كبرى لها جاذبية خاصة تجذب الإنسان الفلسطيني، ولا يدوم عليها محتل، ومنذ فجر التاريخ تعرضت للنكبات السياسية، وتعرضت للغزوات الكثيرة وحررت، ولم يتبقَ على أرضنا سوى الصهاينة اليهود وستحرر بإذن الله.
إن شعبنا الفلسطيني في كل أماكن وجوده ضرب في يوم الأرض عبر حشود مسيرات العودة في الداخل والخارج - أروع معاني العزة والصمود والبقاء والدفاع عن أرضه كما هويته الوطنية، من خلال بقائه وصموده فوق أرضه ودفاعه عنها، وإصراره على هويته الوطنية، بكل مكوناتها، أمام هذه الهجمة الصهيونية - الأمريكية على أرضنا ومقدساتنا وعلى كل مكونات مورثاتنا الثقافية وفي مقدمتها القدس.
وتحدثت المصادر العبرية عن نجاح مسيرات العودة الكبرى في أهدافها وأوصلت الرسائل للعالم أجمع؛ حيث قال الصحفي (الإسرائيلي) (عاموس هرائيل) في صحيفة (هآرتس) إن أحداث غزة جلبت قدرا من الاهتمام الدولي بعد أشهر من عدم الاكتراث بما يحدث من مأساة في غزة حيث طالب الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غواتيريز) بإجراء تحقيق مستقل في ملابسات القتل في غزة، وأوضح (هرائيل) أن حركة حماس نجحت في إعادة غزة إلى واجهة الخطاب الدولي، ونجحت في تشتيت رأي الجيش الإسرائيلي في وقت متفجر مثل (عيد الفصح)، وقد وجدت حماس طريقة أكثر فاعلية للاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي، مقارنة بنيران الصواريخ والهجمات باستخدام الأنفاق، وقال الجنرال الصهيوني ( تال ليف-رام) ، إن المسيرات الفلسطينية كشفت أن غزة تجد نفسها في هذه المرحلة في النقطة الأكثر حرجا لها منذ انتهاء الحرب الأخيرة عام 2014، مما يجعل الكيان الصهيوني معني أكثر من سواه في البحث عن طرق وأساليب لتقليص المخاطر المتوقعة عن حدوث تصعيد عسكري في القطاع, مشددا على أن مسيرات العودة تصدرت الجدل السياسي والإعلامي في الكيان، وفرضت على الجيش حالة من الاستنفار والاستعداد غير المسبوقة منذ سنوات، فيما رأى "يوآف ليمور" الخبير العسكري أن مسيرات العودة الفلسطينية شكلت تحديا حقيقيا وجادا للقوات العسكرية الصهيونية، وأن هذه المسيرات أدخلت الكيان مرحلة من عدم اليقين تجاه الأوضاع المتفجرة في غزة، والخشية من التدحرج لمرحلة من التصعيد التدريجي الآخذ بالاتساع مع مرور الوقت، لاسيما وأن هذه المظاهرات لها أبعاد إستراتيجية.
إن الاشتباك مع العدو على ميدان الحدود سيتواصل حتى العودة إلى أرضنا، وسيتواصل أبناء شعبنا في استخدام كافة أساليب المقاومة مع التركيز على المقاومة الشعبية من أجل استعادة حقوقنا وفضح جرائم الاحتلال الصهيوني بحق أرضنا وشعبنا، وسيسبقنا إلى ميادين الحدود الصغار قبل الكبار يرمقون من بعيد أرض أجدادهم وآبائهم.
إلى الملتقى ،،
قلم / غسان مصطفى الشامي