ثمانية عشر شهيداً في يوم واحد .. ثمانية عشر حياة كان لكلٍّ منها أحلام وقصص اندثرت تحت التراب .. ثمانية عشر شاباً انتقلوا إلى حيث السلام فلا خوف ولا انقسام ولا كلمة تعلو فوق كلمة الحق ولا بيع للوهم .. ثمانية عشر أم ثكلى وأب مكلوم سيقضون المتبقي من حياتهم يتذكرون أبناء كانوا ..
ثواب شهادة كل واحد فيهم باثنتين: الأولى حين خصهم الله بالعيش في غزة فصبروا وصابروا ورابطوا 11 عاما من حياتهم الدنيا في انتظار أن تفرج ولم تفرج .. فكان الموت والعيش سواء بسواء .. والثانية هي الشهادة التي جبلنا على أن نتجرعها في أحبائنا وأقربائنا وربما في أنفسنا لأننا فلسطينيون ... .....
وما بين الثمانية عشر شهيداً وما يقارب الألف والخمسمائة جريح تمت إضافتهم لقائمة طوييلة جداً من حياة شباب وشابات قضوا شهادةً أو أسراً .. يقف المنافقون من الثرثارين والمتشدقين والمتفيقهين أصحاب فن البلاغات اللغوية والنضالات الكلامية والمصالح الواقعية ليحصدوا الثمار الدنيوية .. ويحضرني هنا التساؤل الاستنكاري الشهير لخالد الذكر جمال عبد الناصر في إحدى خطبه: " هل كتب على الفقراء الآخرة فقط ؟ أليس لهم نصيب في الدنيا ؟ أعطونا نصيب صغير في الدنيا وخذوا مقابله بعض من نصيبنا في الآخرة.!" ولسان حال شعبنا وأخص بالذكر أهل غزة يقول كتب علينا الشقاء والبقاء أسرى للآخرة! ألا نستحق نصيب صغير في الدنيا؟؟
العودة حق أصيل وثابت لا تنازل عنه لأنه جوهر القضية ومرتكز الصراع، ولكن يحق لنا أن نشكو ونتذمر فنحن بشر ولسنا ملائكة وطريقنا يمتد إلى أجيال بعدنا.. فالله اعلم كم سبعين عاماً ستأتي بعد هذه السبعين كي تتحرر فلسطين من عبء الظالمين والمارقين..
إن التوقيت والسياق الذي تمت به مسيرة العودة جدّ خطير، فانسداد الأفق الداخلي على صعيد ما يعرف بالانقسام الفلسطيني/ الفلسطيني وغياب الحل لموضوع غزة بسبب تمترس الأطراف الحاكمة كلٌّ لمصلحته، وبدء الترتيبات الإقليمية خارج الحدود لتشكيل المنطقة مع تجاهل كلي للمطالب الفلسطينية المشروعة، لن يجعل مسيرة العودة وتوابعها تمر وكأنها فعالية وطنية فحسب، بل يمكن أن تمتد لتطيح بكافة اللاعبين المرتاحين، فقد أثبتت التجارب التاريخية على أن الحراك العفوي الشعبي الفلسطيني يفوق بإبداعه ورؤيته قدرات القيادات السياسية المختلفة النهج..
لا نعرف أين ستذهب بنا الأيام فالوضع في غزة محزن وشعور البعض بالانتصار مستفز، والحلقة تزداد خنقاً والناس يموتون قهراً وكمداً .. ولكن المؤكد أن الإرادة سلاح لا يصدأ، وأن الشعب إذا تحرك فسيهدّ المعبد على الرءوس جميعها..
بقلم/ د. أماني القرم