وداعاً ياسر مرتجى

بقلم: عبد السلام فايز

فقط في قطاع غزة ، يمضي شبابُها في قوافل الشهداء ، تاركين خلفهم تدوينة هنا و هناك ، تُثبِتُ أنهم على دراية بالرحيل ، و بأنّهم خرجوا باحثين عن الموت في الميادين ، و لم ينتظروه في الأسرّة و المنازل ..

تزف غزةُ العِزّة اليوم شهيدها الجديد الذي لحقَ بكوكبة شهداء العودة ، الصحفي المقدام ياسر مرتجى الذي أبى إلّا أن يكون شهيد الحقيقة و الكلمة ..

ياسر مرتجى ابن الثلاثين ربيعاً يمضي اليوم ، تاركاً لنا إرثاً مخطوطاً في صفحته الرسمية على فيسبوك حينما غرّد تغريدته التي تعدّت مرحلة الحروف و الخربشات ، لتصل إلى سُدّة الفراسة و كأنه على موعدٍ محتوم مع الموت ، إذ عبّر الشهيد ياسر في منشوره عن رغبته في السفر ، لا لكسب المال و تحقيق الطموحات الفردية ، ولا طمعاً في نيلِ مفاتيح المستقبل ، بل فقط من أجل رؤية غزة الأبيّة عن ارتفاعٍ ملحوظ ، فيكحّل ناظريه برؤيتها في ذلك المنظر الذي يعوّضه عن سنوات الحصار و الضيق و الضنك ..

و اليوم يتحقق طموح ياسر مرتجى و  يسافر تلك الرحلة السرمدية التي لاعودةَ منها على الإطلاق ، و يتسنى له رؤية قطاع غزة من ارتفاع ملحوظ كما كان يشتهي ، عندما صعدت روحُه الطاهرة إلى بارئِها في مشهدٍ لاحمٍ بين طرفين متصارعين ، طرفٌ يمتطي الدبابة و السلاح الثقيل ، و طرفٌ آخر هو  ياسر وحيداً ، لا حُسبان له سوى عدسته و قلمه و كلمته الحق ، فأيّةُ مواجهةٍ تلك التي سطّرها ياسر اليوم ، و التي عرّت الصهاينة على حقيقتهم الإجرامية أمام مرأى العالم ، و تتضح صورتهم تماماً ، و تُرَدّ أقوال سماحة المفتي الجديد أفخاي أدرعي الذي أصبح اليوم حريصاً على مصلحة البيئة و طبقة الأوزون ، بينما لم يكن حريصاً على طبقة الأوزون عندما استخدم جيشه المجرم شتّى أنواع الأسلحة المحرّمة دولياً خلال الحملات العسكرية التي شنّها ضد قطاع غزة في سنوات ماضية ..

يمضي ياسر اليوم ليبحث عن زميله في الفراسة محمد أبوعمرو ، الذي سبقه في الجمعة الفائتة ، و الذي تنبّأ هو الآخر برجعته و دوّن على شاطئ غزة وسمه الخالد ( أنا راجع ) ، ليرجع بعد ذلك تلك الرجعة التي تشبه سفر ياسر مرتجى اليوم ، فيلتقيان هناك ، أمّا أحدهما فتحدّثُنا عنه حروفه على شطآن غزة ، و أمّا الآخر فيطول الحديث عنه من فمِ صفحته الشخصية التي ستحدّثنا عن كل شيء ..

أولئك هم شُبّانُ غزة الذين زادهم الحصار بسالةً و شجاعة ، يمضونَ تِباعاً و يتسابقون إلى ملاقاة عدوهم وجهاً لوجه ، هناك عند السياج الحدودي الذي لطّخته جمعة الكوشوك بسواد الحقد و الغيظ ..

آنَ للعدو الصهيوني اليوم أن يستذكر ما قاله الشاعر الفلسطيني الشهير محمود درويش : أنا لا أكره الناسَ

و لا أسطو على أحدِ

و لكني إذاما جعتُ

آكلُ لحمَ مغتصبي

حذارِ حذارِ من جوعي و من غضبي

وداعاً ياسر مرتجى

بقلم/ عبد السلام فايز