ذكرى النكبة يوم القيامة المنتظر

بقلم: محمد يوسف حسنة

"صفقة القرن" مصطلح تُطلقه الإدارة الأمريكية على مخطط إنهاء القضية الفلسطينية بالتعاون مع حلفائها العرب، الذين انتقلوا من مرحلة الدفاع عن القضية الفلسطينية في فترة قد خلت لمرحلة الصمت ثم إلى مرحلة المشاركة الفعلية في التصفية، فقد بات تصفية القضية الفلسطينية قربان تثبيت بعض الحكام العرب في مواقعهم.

وقد تسارعت وتيرة التصريحات العربية التي تتحدث عن حق اسرائيل في الوجود وحقها في أرض فلسطين، واعتبار المقاومة الفلسطينية بأنها بمثابة تهديد قومي لبعض البلدان، حتى دون التطرق لحق الفلسطينيين بأرضهم وحقهم في الانعتاق من الاحتلال.

مثّلت حالة الضعف العربي وتمزق الدول العربية وانشغالها في الصراعات الداخلية فرصة ذهبية لأمريكا لعرض ما اعتبرته تسوية وحل شامل للقضية الفلسطينية تُعطي فيه حق من لا يملك لمن لا يستحق، دون الأخذ بعين الاعتبار غضبة الشعوب وحِراك الأمة، طالما لم تُمس مصالح أمريكا في المنطقة، ولن يتزايد منسوب العنف في فلسطين، ولم يرتد القرار بما يُهدد أمن أمريكا وسلامة مجتمعها الداخلي.

خطوات أمريكا المتسارعة لفرض واقع جديد ونيتها نقل السفارة الأمريكية للقدس عشية ذكرى النكبة الفلسطينية ولهفة حلفائها لمواكبة خطواتها، بدأت بحراك فلسطيني شعبي وصورة وحدوية افتقدها لسنوات طويلة.

رغم التضييق والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومحاولات التركيع مراهنة أطراف متعددة بأن غزة على حافة انفجار داخلي واقتتال داخلي جديد، قرر الشعب قلب الطاولة في وجه المتآمرين وانتفض باتجاه الحدود وأعلن شعار العودة إلى أرض الجدود.

تحرُّك الشعب الفلسطيني في قطاع غزة قلب المعادلة وصفع الأطراف المتآمرة، الأمر الذي يُنذر بأن 15 مايو لن يكون يوماً عادياً بل سيكون يوم القيامة التي يتبدد فيها حلم الكيان بتمرير صفقة القرن، لقد ضرب التحرك الفلسطيني السلمي داخل حدود قطاع غزة والدماء التي سالت الشرط الأول لتمرير الصفقة فمنسوب العنف في الأراضي الفلسطينية يتزايد مع كل جمعة جديدة، وكل قطرة دم جديدة تمثل تغذية لازدياد منسوب العنف، الذي ما يلبث أن يتدحرج إلى الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، الصورة المتخيلة للتحرك الشعبي في كافة أرجاء فلسطين بمئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني تُربك الكيان وتجعل صفقة القرن على المحك، تطوُّر الأحداث وازدياد سقوط الضحايا في التظاهرات السلمية، ستدفع بكل تأكيد المقاومة الفلسطينية للرد على نزيف الدماء ولربما تصدرت المشهد مجدداّ أساليب نضالية تراجعت لظروف سياسية وإمكانيات تنفيذية، التحرك الجماهيري السلمي بالتوازي مع سيناريو استهداف الكيان من قبل المقاومة يمثل هدم الركن الأول لاتمام صفقة القرن.

يوم القيامة الفلسطيني المنتظر فيه مشهد زحف مئات آلالاف اللاجئين من لبنان والأردن وسوريا باتجاه الحدود المحتلة، فالرهان عليهم كبير وحلمهم بالعودة يُحطم حاجز الخوف، فهم حريصون على مشاركة شرف مهمة اسقاط صفقة القرن، تحرك كهذا يُعزز فرص سخونة الجبهات الأخرى مع المحتل وقد تشن بعض الأطراف المتعاطفة مع القضية الفلسطينية هجمات نوعية على الكيان من خارج الحدود.

شعوب الأمة ورغم كل مظاهر الضعف البادية وتسلط حكامها، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما سيحدث في يوم القيامة الفلسطيني، لن تقبل الأمة التي انتفضت بكل قوتها عقب قرار ترمب أن ترى الدماء الفلسطينية نازفة وحالة الاستفراد وتصمت.

تحرُّك الشعوب العربية والإسلامية تخشاه أمريكا فهو من جانب يُهدد أمن واستقرار حلفائها، ويُهدد أمنها ومصالحها في المنطقة، وقد تضطر للتعامل مع سيناريو حصار سيول بشرية لسفاراتها المتواجدة في الدول العربية والإسلامية، وسيبقى احتمال استهداف سفاراتها ومصالحها كابوس يُطارد مخيلة أجهزتها الأمنية، إذا ما تحرك هذا المارد سيكون بمثابة هدم الركن الثاني لصفقة القرن ويُحدث عدم تحقق الشرط الثاني لاتمام الصفقة.

تُدرك أمريكا بأنّ عليها استخلاص العبر من كل تحرك وإعادة دراسة قراراتها بناء على المتغيرات، وعلى الشعب الأمريكي أن يُدرك بأن الإدارة الأمريكية تأخذه إلى مواجهة مع مليار ونصف مليار مسلم، وعليهم بأن يتحضروا لموجة عداء وازدياد مشاعر السخط والكراهية تُجاه كل ما هو أمريكي، ولن يستطيع الأمن الأمريكي ضبط واحباط كل هجوم محتمل فلا يوجد جهاز أمني خال من الثغرات.

أمريكا تتحدي الأمة الإسلامية والعربية باستهداف القدس وإنهاء القضية الفلسطينية، التي تمثِّل شرف الأمة وأحد أهم أسباب وجودها.

على الأمريكان أن يُدركو بأنهم بحاجة لوقف تحرك إدارتهم فلا يوجد منطق بأن يدفع الأمريكان ثمن من أرواحهم ومصالحهم في مقابل إرضاء اسرائيل وتحقيق أطماعهم في بلد عربي.

الشروط التي وضعتها أمريكا للتراجع عن الصفقة، ومن استشراف للمستقبل القريب وقراءة للأحداث الجارية ستتحقق فهل أمريكا وحلفائها على استعداد لتحمل الخسائر الناجمة عن ازدياد منسوب العنف في الشرق الأوسط وتهديد المصالح الأمريكية، هل إرضاء اسرائيل يستحق أن يدفع الشعب الأمريكي ثمنه؟

الفلسطينيون ماضون في مخطط إفشال صفقة القرن وانتزاع حقوقهم، وسيساندهم في حقهم كل حر في أصقاع العالم، ليس لديهم ما يخسروه سوى القيد والخيمة، الفلسطينيون ماضون ليوم القيامة التي لن تستطيع هوليوود ببراعتها وبوليود بجموح خيالها رسم صورة لما سيحدث.

م. محمد يوسف حسنة