تحت شعار مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار كُتبت ثلاثة حكم أو وصايا لكل شعوب الارض، قالها كل من نيلسون مانديلا بإن (لا طريق سهل للوصول للحرية) ومارتن لوثر كنج: (يجب أن نتعهد بالتقدم الى الأمام وعدم التراجع)، والمهاتما غاندي: (لا يوجد طريق الى الحرية فالحرية هي الطريق) . تحت هذه اليافطات وقف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية يلقى خطاباً يبرر فيه استمرار الانقلاب، ويتحدث فيه عن المقاومة الشعبية السلمية، واستمرار مسيرات العودة، ودفع التضحيات، محاولاً الترويج إلى أن كل ما تقوم به حركته مبني على حق وما عدا ذلك كله باطل ورذيلة وخيانة وأيدز سياسي على حد تعبيره.
لو أن مانديلا وكنج وغاندي ابتعثوا إلى الحياة من جديد ليستمعوا إلى ما اُقتبس عنهم على لسان هنية لتعجبوا وتساءلوا: "ألا يعرف هذا الرجل أننا كرسنا حياتنا ونضالنا من أجل توحيد صفوف أمتنا لا تمزيقها وتشتيتها لأسباب حزبية؟ ألا يعلم الرجل ان الانقسامات والخلافات فى جنوب افريقيا وأمريكا في زمن ا"لابرثايد" والهند في زمن الاستعمار قد صنعتها أنظمة الاستعمار والابرثايد ؟ وان جل ما قمنا به قد صبّ فى سبيل توحيد الصفوف وازالة أسباب الانقسام والاقتتال الداخلي؟ ألا يعلم الرجل أنه قد تم اغتيال مارتن لوثر كينج بسبب انتصاره على الانقسام والخلاف؟ ولأنه حرم قوى العنصرية والابرثايد من الظفر بشق الصفوف بين المناضلين من أجل الحرية والمساواة؟ وأن مانديلا قد سُجن ٢٧ عاماً لإبعاده عن الجماهير التى استطاع توحيدها، وأنه لم يسعَ الى حكم أو سلطة أو نفوذ، ورفض أن يكون رئيسا لفترة ثانية ؟ ألا يعلم هذا الرجل أنه تم اغتيال المهاتما غاندي من قبل متعصب هندوسي لا لشيء إلا لأن غاندي أصر على أن تسمو الهند على التعصب والفئوية والجهوية؟
إننا نعتز بغاندي ومانديلا اللذين اصطفا إلى جانب شعبنا الفلسطيني فى مسيرة نضاله الطويلة نحو الحرية والاستقلال، ولعلنا نستذكر غاندي الذي فرّق جيداً بين الصهيونية واليهودية عندما ردّ على محاولة الفيلسوف الصهيوني مارتن بوبر بإقناعه بوجهة النظر الصهيونية، حين قال: ( إن لفلسطين شعب ويجب ألا يُطرد منها) وكذلك مانديلا الذي قال:( لن تكتمل حريتنا إلا بحرية فلسطين)، أمّا "كنج" الذي لم يتحدث عن القضية الفلسطينية فإننا نستذكر ما تحدث عنه كونه ضد اللا سامية.
إنني لستُ أحد أولئك الذين يبحثون عن أخطاء الآخرين، بل من الذين يعتزون بالتعددية السياسية الفلسطينية وأدعو إلى تكريسها، وأفخر أيّما فخر بمسيرة نضال شعبنا الفلسطيني المتواصلة التى لن تتوقف إلا بإنهاء الاحتلال الذي كانت المقاومة السلمية الشعبية إحدى طرائق مقاومته التي دعت لها القيادة الفلسطينية منذ سنوات طويلة، ورَفضت ولازلت ضد كل أشكال تعدد السلطات بما فيه ما تقوم به حركة حماس في قطاع غزة.
فلو استطاع غاندي ومانديلا وكنج الحديث اليوم عن مواقف الرئيس محمود عباس تجاه ما تقوم به إدارة الرئيس ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، واعتراف الرئيس ترامب غير القانوني والباطل باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، وكيف ردّ الرئيس عباس على إدارة ترامب وأوقف اتصالاته معها واعتبارها ليست شريكاً أو وسيطاً فى عملية السلام، لقدّموا الاحترام والتقدير لهذا الموقف الجريء والشجاع للرئيس أبو مازن، ولقالوا لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس: "فلينتهِ هذا الانقلاب، ولتزال أسباب الانقسام، حيث أن فلسطين والقدس أكبر من أن تكونا قرابين تقدم فى معابد التقلبات فى هذه المنطقة، لأن فلسطين بعاصمتها القدس أهم من جميع عواصم العالم، وإن الفصائل والحركات السياسية الفلسطينية ولدت من أجل اعادة فلسطين الى خارطة الجغرافيا. نعم كانوا سيقولون: "لا يوجد ما يبرر استمرار الانقلاب والانقسام، وما كنّا لنكون من صنّاع التاريخ لو وقفنا مع التعصب الحزبي والتنظيمي، وما كنّا لنقدم أوراق الاعتماد هنا وهناك من خلال الرؤية الضيقة جداً للتعصب للحركة والحزب على حساب الحرية والاستقلال والكرامة الوطنية.
إن شعبنا يفخر بموقف الرئيس أبو مازن الوطني والأخلاقي السياسي والانساني الشجاع، وأتساءل أخيراً: " لصالح من يستمر هذا الانقلاب؟ وهل يساعدنا ذلك كأبناء للشعب الفلسطيني لمواجهة وإسقاط مخططات تصفية القضية وإنهاء المشروع الوطني الفلسطيني ؟ وهل بعد الرفض المطلق لما يسمى صفقة القرن، وتأكيد موقفنا جميعاً من القانون الدولي والشرعية الدولية ومسيرات العودة السلمية، هل حقاً يوجد خلاف على الاستراتيجية السياسية للمرحلة القادمة؟" ولصالح من توَجه السهام المسمومة تجاه صدور أبناؤنا في الأجهزة الأمنية الفلسطينية؟
قال مارتن لوثر كينج:"لا أحد يستطيع ركوب ظهرك إلاّ اذا انحنيت"، وفي حالتنا فإن الانقسام هو الذي قصم ظهورنا، ومكّن الاحتلال منّا. دعونا نصحح هذا الانحناء، دعونا نحن نقصم ظهر الاحتلال ونكنسه عن وطننا، إن فلسطين كانت ولا زالت وستبقى أهم وأكبر منا جميعاً، فالوفاء لفلسطين لا يمر من بوابة التعصب الحزبي والتنظيمي بل بالعمل سوياً لمواجهة و إسقاط المؤامرة، وتوحيد الصف، والاخلاص لشهدائنا الأبرار وجرحانا وأسرانا البواسل، وبالانتصاف لعذابات شعبنا المشرد، واستراداد حقوقه المشروعة حتى إنجاز الاستقلال وتجسيد سيادة فلسطين بعاصمتها القدس ونيل الحرية والعودة".
إن استمرار تمزيق الصفوق وتشتيت الجهود، والتخوين والتكفير وإلغاء الآخر، وتشييع ثقافة الكراهية والأحقاد وأغتيال الحريات واستمرار الإنقلاب، تشكل جميعها الروافد الحقيقية للثغرة المستخدمة أمريكياً واسرائلياً لتدمير المشروع الوطني الفلسطيني.
إن الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، نعم الهوية الوطنية الفلسطينية، اليوم وفي خضم مخططات تصفية القضية الفلسطينية هي أساس الاستمرارية وقاعدة الانتصار.
بقلم/ د. صائب عريقات