في الخامس عشر من نيسان هذا العام، ينهي المناضل والزعيم الوطني د. مروان البرغوثي (أبوالقسام) الزوج والحبيب وشريك العمر عامه السادس عشر في زنازين الاستعمار الصهيوني منذ الاعتقال الأخير في 15/4/2002، فإذا ما أضفنا سنوات السجن السابقة يكون بذلك قد اقترب من إكمال ما يقارب ربع قرن من الاعتقال خلال مسيرته النضالية الطويلة والشاقة.
ان 16 عاماً هي مجرد رقم بالنسبة للبعض، لكنها بالنسبة لي ولأولادي وطبعاً بالنسبة لكل أسير ولعائلته، هي سنوات مؤلمة نعدّها بالساعات والأيام والأسابيع والأشهر والسنوات التي تبدو بلا نهاية، هي 192 شهراً أو 5810 يوماً من الحرمان والقهر والعذاب والغياب، عشت فيها والأولاد الصغار ألم وعذاب غياب الأب والزوج والحبيب والشريك، إنها آلاف الليالي المليئة بالدموع والسهر وإلحاح الأولاد بالسؤال عن غياب الأب، هي مرحلة عذاب لأبو القسام ولكل أسير وأسيرة على مدار الساعة وطوال سنوات الاعتقال. ولقد احتجت حضوره وبشدة في معظم المحطات عندما كان الأولاد في عمر الطفولة والمدارس، احتجته في كل تفاصيل حياتهم، لمراجعة المدرسين وإدارة المدرسة ولحضور مناسبات كحفل نهاية السنة الدراسية فيكون الآباء الشهداء والأسرى من الحاضرين - الغائبين، أحتجته في مناسبات عدة تقوم بها المدرسة فينظر الطفل إبن الأسير أو الشهيد إلى زملاءه فيرى الآباء يحضنون أبناءهم ويضحكون معهم ويفاخروا بهم ويصفقوا لهم. خلال سنوات طفولتهم ومدرستهم، تمرّ الأيام قاسية، والأعياد مريرة، ولكن ليس لدينا ترف اليأس أو الأحباط مهما كانت الصعوبات والعقبات فحرية الشعب والوطن مقدسة مهما بلغت التضحيات والمعاناة.
كان من أقسى تلك اللحظات في سنوات الغياب هذه، عندما سمعت نبأ اعتقال إبني الحبيب البكر القسام نهاية عام 2003 بعد عام ونصف على اعتقال والده. كان القسام قد أكمل للتو عامه الثامن عشر، وبدأ دراسته الجامعية في الفصل الأول، وشكل اعتقاله لحظة عاطفية مؤلمة لي ولأخوته الصغار، وكانت السنوات الأربع التي قضاها في السجن قد ضاعفت الألم والمعاناة وشكّل غيابه فترة عصيبة لي ولاشقاءه الذين ارتبطوا به كثيراً، فهو الأخ الأكبر وفيه صورة الأب.
نعيش غياب أبو القسام بكل تفاصيله، ولا زلت أشعر بثقل الغياب على سلوك الأولاد ومشاعرهم والضيق الذي عاشوه خلال سنوات حياتهم الجامعية المليئة بالتفاصيل والعلاقات المعقدة والشائكة والتجارب والناجحة والفاشلة في الدراسة والعلاقات الاجتماعية والعاطفية والنشاط النقابي والسياسي، وقد تصادف أن درس أولادنا الأربعة في جامعة بيرزيت وفي نفس الكلية، كلية الاقتصاد، فكانوا بحاجة لاستشارته ورعايته والحديث معه وإخباره بقصصهم، وعند تخرجهم لم يكن حاضراً لحتفل معهم وبهم، وكانت تلك لحظات عصيبة للغاية لهم وله، وعندما تزوجوا كانت دموع الحزن في حفلاتهم مختلطة بدموع الفرح، وكنت أحاول ما استطعت
مشاركتهم فرحهم وإخفاء الحزن، فكانت تلك محاولة خداع متبادلة بيني وبينهم، وفي كثير من الأحيان يختلي كلُّ بنفسه ليصارحها بحقيقة حزنه وسرّ دموعه.
غنيّ عن القول أن ألم وعذابات الأسرى لا تقتصر على ذلك، بل أنها تظهر جليّة في الحرمان من الزيارات، وإن حدثت الزيارة فهي رحلة لا تخلو من المعاناة والقهر والإذلال. يوم الزيارة يوم صعب وقاس على ذوي الأسرى، فالإستيقاظ من الثالثة أو الرابعة صباحاً ثم التوجه إلى باصات الصليب فالحواجز ومسافة الطريق، ثم الخضوع للتفتيش والإذلال والإهانة، فالانتظار الطويل الذي ينتهي في كل مرة بإعادة عدد من ذوي الأسرى، ويلي الإنتظار إنتظار آخر طويل على أبواب السجن في ظروف قاسية صيفاً وشتاءاً، ومرة أخرى التعرّض للتفتيش والإذلال وإنتظار ثالث، وأحياناً إلغاء الزيارة ومنعها في اللحظة الأخيرة، وهذا ما حصل معي أكثر من مرة كان آخرها العام الماضي، بعد كل ذلك يتم لقاء الأسير في مكان مكتظ، وتفصل الحواجز الزجاجية الأسرى عن زائريهم، ويتم الحديث عبر السماعة التي تكون في أحيان كثيرة معطلة مما يتطلب الحديث بصوت عالٍ فلا يعود أحد يسمع أحد إلاّ بصعوبة بالغة، ولا تزيد مدة الزيارة عن 45 دقيقة وهي زيارة واحدة كل شهر بعد أن أوقف الصليب الأحمر وسلطات الاحتلال الزيارة الثانية عام 2016، وكانت إعادة الزيارة الثانية هي السبب الرئيس الذي أدى إلى "إضراب الحرية والكرامة"، وقد وافقت إدارة السجون على إعادة الزيارة الثانية، إلاّ أنها لم تلتزم بتنفيذ الإتفاق حتى الآن، ومع ذلك فان مدة الزيارة محدودة ولا تكفي لتناول مختلف الموضوعات خاصة أن المحادثة يتم تسجيلها.
خلال الزيارات عندما كان الأولاد دون سن الـ 16 عاماً كان أبو القسام ممنوعاً من الزيارة على مدى سنوات العزل، وعندما أصبحوا فوق الـ 16 عاماً وسمح لهم بزيارته احتاجوا التصاريح ولم يحصلوا عليها في معظم الأوقات، وطوال الـ 16 عاماً لم تتجاوز زياراتهم لوالدهم عدد أصابع اليد، ويكادون لا يذكرون جيداً قسمات وجه والدهم، بل أشعر أحياناً حين تتاح لهم الفرصة لزيارته مرة كل عام كما لو أنهم يتعرفون عليه من جديد. أنا حرمت من زيارته فترات طويلة كان آخرها السنة الماضية حيث صدر قرار تعسفي بمنعي من زيارته في اعقاب "إضراب الحرية والكرامة" ويستمر المنع حتى عام 2019. رغم ما في الزيارة من ألم ومعاناة لأهالي الأسرى إلاّ أنها تمنح بعض الأمل والإطمئنان.
أبو القسام زعيم وطني مفعم بالأمل بحتمية النصر وحتمية نيل الحرية ومهما كانت الظروف وبلغت التضحيات، ويمنحني الكثير من القوة والعزيمة للاستمرار في نضالنا وكفاحنا من أجل بلادنا وحرية أسرانا. إن المناضل مروان البرغوثي هو قائد من نوع خاص وإنتماؤه لفسطين إنتماء مطلق، وهو صاحب عقيدة صادقة في الإنتماء، ومنح حياته بالكامل لفلسطين وقضيتها، وإنخرط منذ شبابه في العمل الوطني ومقاومة الاحتلال وتعرض مبكراً للاعتقال والإصابة، اعتقل عام 1976 وهو على مقاعد الدراسة الثانوية وقضى خمس سنوات في الاعتقال الأول، لتتوالى الاعتقالات التي زادت عن أحد عشر مرة، منهاالاعتقال الإداري عام 1985، ثم شكلت جامعة بيرزيت محطته الثانية ليكون في طليعة من ساهموا في تأسيس وقيادة الشبيبة وبناء المنظمات الجماهيرية الفتحاوية في كل أنحاء الأرض المحتلة، وبناء التنظيم الفتحاوي وليصبح القائد الأبرز للشبيبة في الضفة والقدس والقطاع، والزعيم الأبرز للحركة الطلابية الفلسطينية،
فتعرّض للملاحقة والمطاردة والإقامة الجبرية والاعتقالات الاحترازية والتحقيق مراراً، ثم كان قرار إبعاده عن البلاد عشية الانتفاضة الشعبية الأولى.
لم يمنعه الإبعاد من أن يواصل نضاله وأن يقوم بدور بارز في توجيه وقيادة الانتفاضة الشعبية الكبرى، والتواصل مع القيادة الوطنية الموحدة وتولّي مسؤولية قيادة التنظيم في إطار عمله إلى جانب أمير الشهداء أبو جهاد والزعيم الخالد الشهيد ياسر عرفات، حيث تفرغ أبو القسام طوال سنوات الإبعاد للعمل الوطني والتنظيم للمساهمة في قيادة الانتفاضة ودعمها وإسنادها. وبعد عودته إلى أرض الوطن عام 1994 تولى إلى جانب الشهيد الكبير فيصل الحسيني قيادة حركة فتح في الضفة ونجح في بناء التنظيم والكادر والأطر الحركية التي كان قد أصابها الإنهاك بسبب ضربات الاحتلال المتواصلة طوال سنوات الإنتفاضة الكبرى.
بعد انتخابه عام 1996 في المجلس التشريعي كان من النواب البارزين الذين عملوا بجد ونشاط في تشريع القوانين، وتعزيز الرقابة ومحاربة الفساد، ودعم حقوق المرأة، وتعزيز الديمقراطية، والتواصل مع الجمهور في الأحياء والقرى والمخيمات والمدارس والجامعات والمؤسسات والنقابات ومع مختلف شرائح المجتمع، وعندما اندلعت الانتفاضة الثانية (إنتفاضة الأقصى) كان في مقدمة الصفوف لمواجهة شارون عندما اقتحم المسجد الأقصى، وكان حاضراً في اليوم التالي عندما إرتكب الغزاة الإسرائيليون مجزرتهم في المسجد، وعمل في قيادة الانتفاضة وشكل مهندسها الأبرز والتي شكلت المواجهة الأكبر منذ النكبة حتى الآن التي يخوضها الفلسطينيون في الأرض الفلسطينية ضد الغزو الصهيوني، وقد تعرض أبو القسام لمحاولات اغتيال فاشلة باعتراف رئيس المخابرات الاسرائيلية الذي عبر عن أسفه بفشل الاغتيال، وكذلك شارون الذي أعرب عن أمله في أن يرى مروان البرغوثي رماداً في جرة، وقد ظن الغزاة أن اعتقال أبو القسام سيؤدي إلى انتهاء دوره ونسيانه في غياهب الزنازين، وظنوا أن من الممكن كسر إرادته من خلال تحقيق وحشي استمر لأكثر من 100 يوم خضع خلالها لكل اشكال التعذيب النفسي والحرمان من النوم والشبح والتنكيل الجسدي والإهانة والإذلال والتحقيق العسكري في المعتقل السري 1391، مروراً بأقبية التحقيق في المسكوبية وبيتح تكفا، وبالعزل الإنفرادي لأكثر من ألف يوم، ولكن إرادة الثائر المؤمن والفدائي الحقيقي والزعيم الذي جبلته معارك النضال والمواجهة والميادين والساحات لا يمكن أن تضعف، وانتصر أبو القسام على معذبيه ولم يساوم ولم يفرط بسرّ أو معلومة، فهذا معدنه وهذه عقيدته.
وبعد مضي عدة سنوات في زنازين العزل الإنفرادي نقل أبو القسام إلى العزل الجماعي حيث يقبع فيه حتى يومنا هذا، فبادر إلى صياغة وإطلاق "وثيقة الأسرى للوفاق الوطني" مع أخوته ورفاقه الأسرى في حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية، وحظيت هذه الوثيقة على ثقة وإجماع ثلاثة عشر فصيلاً فلسطينياً، ووقعها الجميع وعلى رأسهم الأخ الرئيس أبو مازن بتاريخ 27/6/2006، وحدّدت الوثيقة الهدف والإطار والأساليب والوسائل لإنجاز الإستقلال والثوابت الفلسطينية، وشكل إنجاز هذه الوثيقة مفاجئة للاستعمار الصهيوني وحكومته، وقد بادر مروان البرغوثي بتقديم هذه الوثيقة لإيمانه المطلق بالشراكة الوطنية وبالأهمية القصوى للوحدة الوطنية بإعتباره أننا ما زلنا في مرحلة تحرر وطني وبما يقتضيه ذلك من تغليب التناقض الرئيسي مع الاستعمار على كل التناقضات الثانوية الداخلية، وقد أطلق
شعاره التاريخي في مطلع الانتفاضة الثانية " شركاء في الدم... شركاء في القرار"، وأكد مراراً أن الوحدة الوطنية هي " قانون الانتصار لحركات التحرر الوطني وللشعوب المقهورة".
بالاضافة لذلك، لم ينجح الاستعمار في عزل إرادة وفكر ورؤية وجهد أبو القسام، حيث بادر في طرح رؤية لإقرار سلّم رواتب ومخصصات أخوته الأسرى ورفاق القيد والزنزانة، وتم إقرار هذا الطرح وسرى مفعول القرار في 1/1/2011 بعد جهد طويل، واستغرق العمل لإنجازه عدة سنوات حيث قمت شخصياً بنقل مسودة الاقتراح لرئيس الحكومة آنذاك د. سلام فياض، وشارك في هذا النجاح كذلك الأخوة عيسى قراقع، وقدورة فارس، وجمال حويل، وأمين شومان ممثلاً عن الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى، وعدد من الأسرى المحررين، وما كان لسلم الرواتب للأسرى أن يرى النور لولا الدعم الكامل من الأخ الرئيس أبو مازن كذلك. أسهم سلم الرواتب هذا بالحفاظ على كرامة ذوي الأسرى ووفر لهم الحد الأدنى للعيش الكريم وتغطية مصاريف الأسرى داخل السجون، ونحن نشهد حملة أمريكية إسرائيلية ظالمة وعدوانية تستهدف مخصصات الأسرى والشهداء، ولكن ما يدعو للأمل أن هناك إجماع فلسطيني رسمي وشعبي بعدم المساس بحقوق الشهداء والأسرى مهما كانت الظروف.
ولم يتوقف أبو القسام عن هذا الجهد وعند هذا الإنجاز، بل كرّس وقته وجهده لإطلاق أكبر عملية تعليمية في تاريخ الحركة الأسيرة من خلال برنامج جامعي متكامل، والذي يسهم في تعبئة فراغ الأسرى ويمنحهم فرصة الحصول على شهادة جامعية، وتعزيز ثقافتهم وانتمائهم وقناعاتهم، ويمثل هذا البرنامج نقلة نوعية في تاريخ الحركة الأسيرة خاصة أنه يتم وفق المقاييس والمعايير الأكاديمية العالية. كما عمل أبو القسام من أجل توحيد الحركة الأسيرة وتعزيز مكانتها وإجراء الحوارات والمراسلات بين مختلف أطرافها، وكان اتفاق إضراب الحرية والكرامة هو خطوة تهدف إلى هذه الوحدة، وخاصة أن هذا الاضراب التاريخي شارك فيه اكثر من ألف أسير فلسطيني لمدة 42 يوماً، وتعرّض فيه الأسرى لعدوان وحشي وشرس وغير مسبوق من قبل سلطات الاحتلال ولكنهم اثبتوا صلابة إرادتهم ووحدتهم وسجلوا أسطورة في الصمود والتحدي.
واقول بكل تواضع بأنني بذلت جهداً استثنائياً حتى أكون صوتاً لهذا الزعيم الوطني والمناضل الكبير وليس فقط الزوج وشريك العمر ورفيق الدرب، وقد قررت فور اعتقاله أن أحمل راية حريته كرمز لحرية الأسرى ولحرية فلسطين، وكرّست عمري وجهدي وحياتي في سبيل هذا الهدف، وتحمّل أولادي معاناة مضاعفة بسبب إضطراري لتركهم معظم الوقت وهم لا زالوا اطفالاً، وتفرّغت تماماً لقيادة "الحملة الشعبية لإطلاق سراح القائد مروان البرغوثي وكافة الأسرى"، وشاركت في مئات الحوارات والندوات واللقاءات والمسيرات والاعتصامات وحملات التضامن وتحملت معاناة السفر والتنقل بين القارات الخمس، وقابلت زعماء دول كثر ورؤساء حكومات وبرلمانات ووزراءا وأعضاء برلمانات وأحزاباً صديقة وقادة مجتمع مدني، وشعرت بالفخر والاعتزاز والكبرياء للحضور الكبير للمناضل والزعيم الوطني مروان البرغوثي في قلوب الشعوب العربية والإسلامية ولدى الكثير من محبي السلام في العالم، وهذا يعبّر عن مدى الدعم والتضامن مع فلسطين كقضية عادلة. وقد أصبح أبو القسام منذ اعتقاله رمزاً لفلسطين وكفاحها الوطني، و شعرت دوماً بالفخر والاعتزاز والاحترام الذي يحظى به في عشرات من دول العالم، وهي مناسبة لأتقدم بالشكر الجزيل لكل المتضامنين الدوليين وبخاصة
"الحملة الدولية لحرية مروان البرغوثي وجميع الأسرى" التي أطلقت بالتعاون بين الحملة الشعبية ومؤسسة كاثرادا في جنوب أفريقيا، وتضم آلاف الشخصيات الرسمية والحزبية والحقوقية والبرلمانية والشعبية من بينهم 9 من الحاصلين على جائزة نوبل للسلام ورموز عالمية في مقاومة العنصرية والاحتلال والتمييز، كذلك الشكر لشبكة مروان البرغوثي للمدن الفرنسية التي منحته مواطنة الشرف في عشرات المدن والبلدات الفرنسية وكذلك في مدن تركيا وايطاليا.
إنني أتوجه بالتحية كذلك لكل أبناء الشعب الفلسطيني العظيم في كل مكان على دعمهم وحبهم وتضامنهم، فهذا منحني مزيداً من القوة والثقة والصبر والصمود، وأشكرهم على ثقتهم ودعمهم لمروان البرغوثي الزعيم الوطني والمناضل والقائد دائماً وأبداً، واستمراره في أكثر من مائة إستطلاع حرّ ونزيه للرأي العام صدر خلال سنوات اعتقاله يحظى بمكانة الزعيم الوطني الأكثر شعبية وثقة لدى الفلسطينيين، وهذا يؤكد أنّ الوفاء يقابل بالوفاء، وأن الشعب الفلسطيني يقدّر صدق الإنتماء وصدق الخطاب والفعل والممارسة، ويقدر تضحيات شهداءه ومناضليه وأسراه ووفائهم لبلادهم.
وأسجل بهذه المناسبة شكري وتقديري الكبيرين لكل أبناء فلسطين في كل مكان، وللفتحاويين الذين يمنحون ثقتهم دوماً لأبو القسام، وقد عبّر المؤتمر السابع عن إجماعه على مروان البرغوثي ليكون ضمير وأيقونة هذه الحركة من خلال إنتخابه في المركز الأول للجنة المركزية لحركة فتح، وكل هذا يثبت أن الاستعمار الصهيوني فشل طوال أكثر من أربعة عقود من المواجهة مع مروان البرغوثي والنيل من عزيمته ولم يكسر إرادته أو أضعف إيمانه بأن فلسطين هي أرض الآباء والأجداد، وأن لنا فيها حقاً تاريخياً وقومياً ودينياً إسلامياً ومسيحياً ووطنياً وإنسانياً وقانونياً.
وبقي أبو القسام على عهد شعبه به، زعيماً وطنياً صلباً وفيّا لشعب عظيم صامد وفيّ، ورغم كل ما مارسه الاحتلال من أشكال التعذيب والسجن والإبعاد ومحاولات الاغتيال والعزل فقد فشل فشلاً ذريعاً في تغييب أبو القسام عن عقول وقلوب الفلسطينيين والعرب، وبقي صوته حرّاً عالياً، وظلّ حاضراً رغم غياهب السجون على أنّ حضوره الوطني يطغى على الغياب القسريّ، وظل قابضاً على الثوابت والمباديء قابضاً على الحق التاريخي، والوحدة الوطنية، متمسكاً بمبدأ الشراكة والمقاومة الشاملة، مصرّاً على التمسك بخطاب التحرر الوطني، ومؤمناً بحتمية النصر وبثورية النفس الطويل.
بعد 16 عاماً من العذاب والصبر والإيمان بحتمية الحرية أقول بأن الشعب الفلسطيني بحاجة شديدة للزعيم الوطني مروان البرغوثي، بحاجة لهذا القائد بتاريخه ووعيه وعطاءه وثوريته وحريته، وهي كذلك حاجة إنسانية وشخصية لي كزوجة ولأولاده وأحفاده، فوجوده حرّا ضرورة للوحدة الوطنية وللنضال الوطني، وللحقيقة فأنه لا يوجد أي تفسير للعجز عن الإفراج عنه ولا يوجد أي عذر يبرّر هذا التقصير من قبل النظام السياسي الفلسطيني وفصائله.
وبهذه المناسبة أتوجه بجزيل الشكر والتقدير والعرفان لكم ولكل من عمل في الحملة الشعبية والدولية وتطوع فيهما، وما كان لي أن أستمر لولا جهدكم ومشاركتكم ووفاءكم ووقوفكم إلى جانبي وإلى جانب الحملة في كل الظروف.
بقلم/ المحامية فدوى البرغوثي