الشهادة والعودة والتحرير تحتل موقعها الطبيعي

بقلم: عباس الجمعة

نقف اليوم امام مناسبات عظيمة كرسها مناضلونا عبر عملياتهم الجريئة ليكتبوا مجد فلسطين والامة العربية والمقاومة الوطنية ، ومجد جبهة التحرير الفلسطينية وبطولاتها وعظمتها هذه الجبهة الذي اشرف رمزها الشهيد القائد ابو العباس ، ورفاقه على العديد من العمليات البطولية ، فكانت عملية الخالصة البطولية باكورة العمليات الاستشهادية، والتي اتت بعد الاستعداد العربي لعقد صفقة سياسية مع العدو الصهيوني، حيث بدأت الثورة الفلسطينية تتعرض لمضايقات عربية وأصبح من الضروري القيام بعمل عسكري يعطي الزخم المعنوي لجماهير شعبنا ويعبر عن الإصرار الفلسطيني لاسترجاع الحقوق المشروعة، فكانت عملية الخالصة، وهي باكورة مدرسة قتال بخط جديد أسس لها وعمل على تأسيسها بعد المؤتمر الرابع للجبهة ، وتم اختيار الكادرات والمدربين والمقاتلين الذين بإمكانهم تحقيق هذه الفكرة، وفي الخالصة تم اختيار الهدف بعناية ودقة وصدرت أوامر القتال بما يخدم الهدف السياسي الذي ستنفذ من أجله هذه العملية، وهنا لا يمكن ان ننسى دور الشهيد القائد فؤاد زيدان (أبو العمرين) القائد العسكري للجبهة انذاك الذي كان يجهز مع رفاقه العملية البطولية ، وقد أستشهد أثناء توجهه إلى العراق، ورفيق دربه الشهيد القائد حفظي قاسم (أبو بكر) عضو المكتب السياسي للجبهة وقائداً معسكر"17 "حيث أثمرت جهود وأفكار الشهيد أبو بكر دور اساسيا في هذه العملية، الذي استكمل الاشراف مع رفيق دربه الشهيد القائد ابو العباس على عملية الخالصة ، هذا النهج اسس للعمل الفدائي الفلسطيني في تلك المرحلة التي كانت تتطلب أنماطاً وأساليب جديدة، ففي الساعة الخامسة من صباح 11 نيسان، ابريل 1974، اقتحمت مجموعة مكونة من ثلاثة من مقاتلي الجبهة ، مستعمرة " كريات شمونة "، الخالصة، بعد اختراقهم الحدود، واختراق أجهزة الأمن الصهيوني ، ونجح ابطال المجموعة حسب الخطة المقررة في الاشتباك مع العدو فتم احتجاز رهائن، وفي ظل عدم الاستجابة لمطالبهم فجر ابطال المجموعة انفسهم، وكانت خسائر الجبهة ثلاثة شهداء وهم ابطال العملية منير المغربي ( أبو خالد ) , فلسطيني من مواليد 1954 , احمد الشيـخ محمود , حلب , من مواليد 1954 , ياسين موسى فزاع الحوزاني ( أبو هادي) جنوب العراق من مواليد 1947, أما خسائر العدو فكانت بالعشرات وقد اعترف العدو بـ28 قتيلاً وعشرات الجرحى وبذلك تعتبر "الخالصة" من أنجح وأبرز العمليات القتالية في تاريخ العمل الفلسطيني حتى يومنا هذا، حيث اكدت الجبهة يومها على لسان القائد الشهيد ابو العباس بأن عملية الخالصة هي بداية مرحلة النضال واننا قادرون على ضرب تل ابيب ، تطور الشهيد القائد ابو العباس من العمل الفدائي المقاوم من خلال أساليب القتال مع العدو الصهيوني وكانت عمليو ام العقارب والزيب ونهاريا وبرختا ، وكان أول من استخدم الطيران الشراعي والمنطاد في عمليات عسكرية ضد الصهاينة نجح بعضها وفشل البعض الأخر ، لقد قاتل العدو بشراسة في البر والبحر والجو.

كما كانت عملية المنطاد الهوائي " عملية الشهيد كمال ناصر " لابطال الجبهة في 16 / 4 /1981 الذي استشهدا فيها الابطال موسى محمد خليل أبو الضبعات،من مواليد مدينة الخليل 1962،

والشهيد عمر أحمد عبيد من مواليد مدينة صفد 1962 حيث شكلت نقطة تحول مهمة في مسار العمل الكفاحي لجبهة التحرير الفلسطينية.

وفي انتفاضة الاقصى كان الرد من خلال كتائب طلائع التحريرالفلسطينية حيث قامت مجموعة شهداء فلسطين بتنفيذ عملية القدس الاستشهادية ، بعدما قررت الصبية الجميلة عندليب طقاطقة ، ابنة بلدة بيت فجار التي تقع على تلال تتوسط محافظتي بيت لحم والخليل ، أن تضحّي بروحها فداء لتراب فلسطين وشهدائها وهواء الخليل والقدس وانتفاضة الاقصى ، صباح يوم الجمعة 12 / 2 / 2002 عقدت العزيمة على الشهادة، وفي عينيها ألق لا يفقد لمعانه، وفي قلبها حرارة للقاء تراب القدس عبر عمليتها الاستشهاديه في القدس الغربية ، مؤكدة الرد على جرائم الاحتلال والدماء التي كانت تراق على ارض فلسطين ، حيث أنبتت فيها روح الانتقام للشهداء والجرحى، وبعثت عبر أشلاء جسدها المتفجر الذي لا يزيد عن 40 كلغ رسالة إلى قادة الأمة العربية ليتحركوا لنجدة شعبنا الفلسطيني، مؤكدة لهم أن جسمها النحيل قادر على أن يفعل ما عجزت عنه الجيوش العربية، وتعتبر "عندليب طقاطقة" رابع امرأة فلسطينية تفجر نفسها في قلب مناطق الاحتلال الصهيوني؛ انتقاما لأرواح الشهداء والفلسطينيين الذين قتلوا بيد قوات الاحتلال الصهيوني ، حيث قال عنها الشهيد القائد الامين العام ابو العباس ان عندليب صاحبة القلب الكبير قرّرت و نفّذت واعتبرت أن الطريق الوحيدة لتحقيق النصر والتحرير، لا تكون إلا بالمقاومة الباسلة، فهي عروسة فلسطين ونعاهدها على المضي في درب النضال حتى تحرير الارض والانسان.

ان مسيرة جبهة التحرير الفلسطينية الطويلة وتاريخها الساطع ، وارثها النضالي والكفاحي العريق ، ومؤسسوها وقادتها ، اسم غني عن التعريف ، في ساحة النضال الأرحب ضد الإحتلال والظلم والإضطهاد ، وفي عالم الصمود والكفاح ، فهي شكلت رافعة أساسية هامة للنضال الوطني الفلسطيني ، وفي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، واستطاعت بتميزها الفكري والسياسي والعسكري أن تسطر لنفسها ولشعبها وقضاياه العادلة تاريخا مشرقا ، حافلا بالعطاء المتميز والمواقف البطولية والعمليات الفدائية الجريئة النوعية ، وقدمت خلال مسيرتها العريقة آلاف الشهداء والجرحى والأسرى في كافة الميادين والأزمنة والمواقع هذا النهج في العمل النضالي الفلسطيني الذي كان يقوم به الشهيد القائد ابو العباس ورفاقه القادة الامناء العامون طلعت يعقوب وابو احمد حلب وقادتها العظام حفظي قاسم وابو العمرين وسعيد اليوسف وابو العز ، حسب المرحلة التي كانت تتطلب أنماطا وأساليب نضالية جديدة .

وهنا لا يمكن ان ننسى التاسع من نيسان، وهو يوم مميز في الذاكرة كل المناضلين وكل الأحرار في العالم، ففي مثل هذا اليوم منذ ثلاثين سنة ، شهد العالم مناضلة لبنانية عربية قومية ابنة الحزب السوري القومي الاجتماعي وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ، عروسة الجنوب سناء محيدلي، ابنة بلدة عنقون الجنوبية، أن تضحي بروحها فداء لتراب الجنوب وبكل جرأة وقناعة، وبكل عزيمة صادقة، أن تفجر نفسها في العدو الصهيوني، وقت كان يحتل جنوب لبنان، ويقتل الأطفال والنساء والرجال والشيوخ، ويدنس الأرض، فكان التاسع من نيسان عام 1985، حيث قررت سناء بعملية الشهيد وجدي الصايغ، مؤمنة بأن الشعب صاحب حق، وبأنه أقوى من كل الصهاينة المغتصبين،

فاعتبرت أن الطريق الوحيدة لتحقيق النصر والتحرير، حيث كتبت تاريخا مشرقا للبنان وفلسطين ولكل أحرار العالم .

نعم نحن نكتب وندون عمليات بطولية في تاريحنا ، عن عمليات هزت كيان العدو، وعن قادة ومناضلين بعضهم عاش وبعضهم غادر الدنيا دون ضجيج، وبعضهم ملأ الكفاح الفلسطيني صخبا وحضورا فقدموا حياتهم من اجل فلسطين، رغم غياب اسماء مجهولين ممن عبدوا الطريق بصمت فغادروا حياة الشعب وفلسطين في قوافل الشهادة.

نكتب عن عمليات الخالصة والمنطاد والقدس الاستشهادية وعروسة الجنوب ما استطعنا كتبته من رحلة من اجل بناء الوعي للأجيال الذين تفتحت عيونهم على الحياة بين أزقة وحواري المخيم والقرية، عن رحلة الكفاح الطويلة من الشقاء من أجل البقاء، واليوم نقول أن ساحة الصراع، تدور فوق الأرض الفلسطينية المحتلة من خلال مسيرات العودة ، والتي هي بأمس الحاجة إلى وحدة وطنية فلسطينية حقيقية ، تعيد الاعتبار لنضالنا الوطني بعيدا عن حالة الانقسام الكارثي المدمر من اجل الحفاظ على المشروع الوطني والتمسك بالثوابت الفلسطينية وهذا يتطلب عقد المجلس الوطني الفلسطينية لمواجهة المخاطر واعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها ورسم إستراتيجية وطنيه، تنبع من أهمية الحفاظ على ديمومة تعزيز المقاومة بكافة اشكالها مع مواصلة الجهود السياسية والدبلوماسية .

اليوم الشعب الفلسطيني يتصدى بلحمه الحي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية في غزة والضفة والقدس وفلسطين التاريخية واماكن اللجوء والشتات من خلال مسيرات واعتصامات مسيرات العودة هذه المسيرات التي تحمل عنوان التضحية والفداء والصبر والثبات، حيث تسقط معها كل الأوهام، فهي عنوان كفاحي للشعب الفلسطيني الثائر في أرضه، فهي تمثل البرنامج الوطني الأقرب لنبض الشعب الفلسطيني، والأكثر التصاقاً بالبرنامج السياسي ، فحق العودة هو لب كفاح الشعب الفلسطيني، وتحت سقفه يمكن مواجهة كافة إجراءات الاحتلال ومحاولاته لتصفية القضية.

قضية فلسطين لن تسقط، وشعبها لن يستسلم، ويؤكد للعالم مدى ارتباطه بحركته الوطنية والأهداف و الحقوق الثابتة الجامعة لكل الشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني لن تثنيه مجزرة الاحتلال ، التي أوقعت عشرات الشهداء ، حيث تتميز مسيرته بوعي كبير وبصورة فائقة من صور الكفاح الشعبي البطل، ولتعطي برهانا ثابتا للالتحام المتعاظم بين الشعب وقيادته ، معلنا باصرار وعناد اروع اطار للاستفتاء الشعبي الحقيقي، طالما حاولت القوى المعادية لشعبنا ان تطمسه.

ختاما : ان نضال الشعب الفلسطيني وتلاحمه الرائع يعكس صورته الحقيقية، ليؤكد للعالم عن مدى تعاظم المد الشعبي واهميته في مواجهة قرارات ترامب وصفقة القرن ، هذا الشعب الذي يقف بقوة وثبات وهو يقدم الدماء الزكية التي سالت لتتوج معاني التضحية والفداء اثناء مسيرات العودة وانتفاضة التحدي امام دبابات العدو وحرابه ورصاصه.

بقلم/ عباس الجمعة