نعيش أياما حافلة بالمخاطر… ولا نخاف!

بقلم: عماد شقور

نعيش في زمن في عالم يفور بأحداثٍ جسام، تتلبد سماؤه بطائرات بطيّار وبطائرات بدون طيّار، اشبه ما تكون بغربان خرافية تثير بنعيقها مشاعر واحاسيس التشاؤم باقتراب الشر والخطر؛ وتلوِّث خلجانه وبحاره ومحيطاته غواصات نووية، تثير الرعب في حيتانها؛ تحمل هذه وتلك على حد سواء، "صواريخ ذكيةً" يتحكم بها "رئيس أحمق " وأسوأ من ذلك انه رئيس شرير.
من حق الجميع ان يشعروا بالخوف. وطبيعي تماما أن يشعر الجميع بالخوف. الا ان الفلسطينيين لا يخافون. هم لا يخافون، وليس لأنهم من طينة مختلفة عن طينة البشر والناس، لكن لأن ما يخاف الناس من الابتلاء به قد ابتلوا به، وأصابهم ويصيبهم منذ سبعة عقود متواصلة، منذ سنة النكبة 1948 وحتى الآن. ثم ازداد وعمّ وطمّ في سنة "النكسة" المشينة 1967.
في سنة النكبة، واحداثها، تحطّمت وتقطّعت وحدة شعبنا الفلسطيني، بفعل إقامة "دولة اسرائيل"، واصبح شعب فلسطين "اربعة شعوب فلسطينية": 1ـ "شعب فلسطين" تحت الحكم الاسرائيلي العنصري؛ و2ـ "شعب فلسطين" في الضفة الغربية، تحت حكم "المملكة الاردنية الهاشمية": و3ـ "شعب فلسطين" في قطاع غزة، تحت حكم "المملكة المصرية"؛ و4ـ "شعوب" الفلسطينيين في دول اللجوء والمهاجر، في دول"الطوق": الاردن وسوريا ولبنان ومصر؛ بالاضافة إلى "شعوب" الفلسطينيين في المهاجر العربية والاجنبية ايضا. هذا ما اصاب الشعب الفلسطيني، بعد ثلاثين سنة، بالتمام والكمال، [من تقطُّع وتكسُّر وحدة "بلاد الشام"، (او "سوريا الكبرى")، واستفراد الاستعمار، البريطاني بشكل خاص، والغربي بشكل عام، اضافة إلى الحركة الصهيونية، وقدراتها المالية الهائلة، وكفاءات قياداتها واتقانها فنون التحالف مع قوى عالمية ذات اوزان حاسمة] ذلك بين "اتفاقية سايكس بيكو" البريطانية الفرنسية مع قرب انتهاء الحرب العالمية الاولى، التي قطّعت "بلاد الشام"، والعراق معها في "الهلال الخصيب"، و"قرار" تقسيم فلسطين، في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 1947.
لكن، ورغم كل ما عانيناه ونعانيه كفلسطينيين منذ سبعين سنة، فإننا، ونحن نتابع مع غيرنا التطورات الحالية على الساحة الدولية، واحتمالات ترجمتها إلى دمار كبير على ارض الواقع في منطقتنا العربية المنكوبة، نشفق، ولا نكرر مع ابو فراس الحمداني: "إذا متّ ظمآنا فلا نزل القَطْرُ"، بل نكرر مع ابو العلاء المعرّي: "فلا هطلت عليّ ولا بأرضي// سحائبُ ليس تنتظم البلادا".
لا نتمنى الشر لغيرنا، ولا يسعدنا اقتصار الخير على انفسنا فقط، بل واستحالة ان يتم ذلك، لأن اي خير يتحقق للشعب الفلسطيني، باستعادة حقوقه، ولو بالتقسيط، سيعود بالخير والمنفعة على المنطقة والعالم، كتحصيل حاصل. ذلك ان مجرد ابتداء استعادة شعبنا لحقوقه الطبيعية المشروعة، يعني نزع فتيل التفجير للغالبية المطلقة من الازمات المتفجرة في المنطقة والعالم؛ او كما عبّر عن ذلك ذات مرة، الرئيس الباكستاني الاسبق، برافيز مُشرَّف، بان "حلّ القضية الفلسطينية حلّاً عادلا، سيؤدي بالضرورة إلى انتفاء وانتهاء اسباب 95 في المئة من التوترات في العالم، وما ينتج عنها من عنف وارهاب".
ثم، نعود هنا إلى اوضاع ساحتنا الفلسطينية الداخلية، وصراعنا مع الاحتلال والاستعمار الاسرائيلي، والى الجديد الذي خلقته المبادرة الفلسطينية الشعبية الاخيرة تحت اسم "مسيرة العودة" الشعبية المدنية غير المسلحة.
نسجل هنا ثلاث ملاحظات يجدر بمجمل القيادات الفلسطينية التنبه اليها:
1ـ لم يسبق لأي نشاط او فعل او مبادرة من الفلسطينيين، على مدى العقود الثلاثة الماضية، ان أثارت قلق اسرائيل إلى الدرجة التي تراها كل عين مدقّقة بوضوح، وهي تتابع الاحداث والتصريحات التي صدرت وتصدر عن القيادات السياسية والعسكرية والامنية الاسرائيلية، منذ انطلاق الدعوة إلى "مسيرة العودة" الجماهيرية من قطاع غزة، مع ما رافق انطلاقها عمليا قبل ثلاثة اسابيع، وما حصل خلالها على الساحة الفلسطينية، وأهم من ذلك: ما حصل على الساحة الدولية، على صعيد الرأي العام، وانعكاسات ذلك على اسرائيل وعلى الاسرائيليين ايضا. ومن باب التوضيح لهذه النقطة تحديدا، اقول بضرورة التفريق بين معنيَي التعبيرين: تعبير "اسرائيل" من جهة، وتعبير "الاسرائيليين" من جهة أُخرى.
لا الحجر ولا السكين ولا قطعة سلاح فردي حقيقي الصنع، او من "صناعة محلية"؛ ولا "صاروخ" (!!) من تلك الانواع التي تنطلق من غزة، يخيف "اسرائيل". انه يخيف "الاسرائيليين"، وهذه حقيقة ثابتة. ولا نبالغ عندما نقول ان حكومة اسرائيل اليمينية العنصرية الحالية، بل والغالبية الاعم من الحكومات الاسرائيلية ايضا، معنية بمثل هذا "النشاط العنيف"، لأنه يمنحها فرصة تكتيل وتشديد رص صفوف الاسرائيليين، وانقيادهم بسلاسة لمغامرات قياداتهم، جراء شعورهم بالخطر والرعب. لكن : هل تكمن المصلحة الوطنية الفلسطينية في ارعاب وتخويف الاسرائيليين؟ ام تراها كامنة في قهر اسرائيل واجبارها على انهاء احتلالها واستعمارها، وتمكين الفلسطينيين من اقامة دولتهم المستقلة، وبدء استعادة حقوقهم الطبيعية، ولو على دفعات ومراحل؟.
2ـ لم تكن حركة المقاومة الاسلامية "حماس"، منذ انشائها قبل نحو اربعة عقود، مزعجة ومتعبة لاسرائيل، كما هي عليه اليوم. سبب ذلك الأكيد، هو تشجيعها لـ"مسيرة العودة" الشعبية غير المسلحة، وتبنيها لها، والمساهمة في قيادتها. لقد كانت نظرة اسرائيل لحركة حماس، منذ انطلاقها، هي انها يمكن ان تكون البديل المفضل عن منظمة التحرير الفلسطينية وعمودها الفقري، حركة "فتح". وقد اصابت اسرائيل في تقديراتها المستندة إلى هذه النظرة، في العديد من المرات، وآخرها وأهمها الانقلاب الدموي سنة 2006، وما تبع ذلك من حالة انقسام فلسطينية غير مسبوقة. هذه الحقيقة، حقيقة وصول حماس إلى بداية الطريق الذي يمكن له ان يشكل هزيمة لاسرائيل، تجعل من الضرورة تنبه قيادات حماس إلى احتمالات تغيير سياسة اسرائيل تجاههم، مع كل ما يعنيه ذلك من مخاطر يجدر التنبه لها.
3ـ رغم ان انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، بما يمثله كاطار سلطة وطنية فلسطينية عليا، تمثل جميع قطاعات الشعب الفلسطيني، أمر في غاية الضرورة، الا ان ما تشهده الساحة الفلسطينية حاليا، بفضل انطلاق مبادرة "مسيرة العودة"، يعطي القيادة الوطنية الفلسطينية، سببا كافيا تماما، لاعادة التفكير في موعد وتاريخ انعقاده، رغم بدء توجيه الدعوات لاعضائه، وتحديد جدول اعماله المقترح.
قد تعطي مهلة التأجيل للقيادة الفلسطينية، فرصة اعادة النظر، وبذل جهود حقيقية، لضمان اكتمال نصاب انعقاده، ليس النصاب العددي فقط، بل اكتمال النصاب السياسي التعددي الذي لا يكتمل بغياب حماس والجهاد الاسلامي، وكذلك الجبهة الشعبية على وجه الخصوص.

عماد شقور

٭ كاتب فلسطيني