مسيرات العودة وكوابيس الاحتلال

بقلم: محمد السهلي

أسباب كثيرة وراء توجس إسرائيل من الفعاليات الفلسطينية التي انطلقت منذ يوم الأرض وتستمر حتى يوم النكبة وفق البرنامج الذي وضعته الهيئة الوطنية العليا لـ«مسيرة يوم العودة».

وجميع هذه الأسباب تتحد في إعادة إنتاج الرواية الحقيقية للنكبة الفلسطينية ووضع المجتمع الدولي مجدداً أمام قضية اللاجئين الفلسطينيين وتذكيره بمسؤوليته عن وقوع النكبة وتناسيها منذ العام 1948 حتى اليوم، في الوقت الذي تتعرض فيه هذه القضية إلى هجوم أميركي ـ إسرائيلي يستهدف تصفيتها عبر خطوات عملية على الأرض، بدأتها واشنطن بحصار الأونروا مالياً والسعي لتغيير الوظيفة التي أنشئت من اجلها؛ والسعي المشترك مع تل أبيب لفرض تعريف «جديد» للاجئ الفلسطيني ينزع عنه حق عودته إلى داره وأملاكه التي طُرد منها، ولهذه الأسباب، تسعى دولة الاحتلال إلى وأد هذه الفعاليات عبر استهداف المشاركين فيها بالرصاص الحي، على «أمل» أن توقف الزخم الذي انطلقت به وتمنعها من التطور باتجاه يحول هواجسها إلى كوابيس.

تحدث محللون كثيرون ـ بمن فيهم إسرائيليون ـ عن إنجازات حققها الفلسطينيون خلال الوقت القصير نسبياً الذي مضى على انطلاق مسيرات العودة. واتفق جميعهم على أن الحراك الشعبي الفلسطيني مرشح بقوة للتطور وحصد المزيد من الإنجازات مع استمراره؛ والأهم من ذلك تصاعد الحديث والتساؤلات عما بعد ذكرى يوم النكبة منتصف الشهر القادم. ولاحظ المتابعون أن تشكيل الهيئة الوطنية العليا لـ «مسيرة العودة» من مختلف القوى والفصائل ومشاركة شخصيات وفعاليات وطنية فيها قطع الطريق منذ البداية على محاولات دولة الاحتلال إضفاء صبغة جهوية على الحراك الشعبي الفلسطيني، في قطاع غزة على نحو خاص. ويلخص المراقبون الإنجازات الفلسطينية بعدة مؤشرات:

* عودة قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم إلى مستوى متقدم من الاهتمام الدولي، ومن شأن استمرار الحراك الفلسطيني وتطوره أن يعيد هذه القضية إلى صدارة هذا الاهتمام. وبدا واضحاً انزعاج دولة الاحتلال مع تصاعد الحديث عن ضرورة إجراء تحقيق في عمليات القتل العمد الذي تمارسه ضد المشاركين في مسيرة العودة، ومن أبرز هذه الدعوات ما جاء على لسان المدعي العام لمحكمة الجنائية الدولية، وهي المحكمة التي حذرت ولا تزال كل من واشنطن وتل أبيب القيادة الرسمية الفلسطينية من اللجوء إليها وتقديم شكاوى ضد جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم. واعتبر مدعى عام المحكمة أن إعلان قادة الاحتلال التصدي للمشاركين في مسيرة العودة باستخدام السلاح الناري يمثل

تحريضاً على القتل؛ وهذا يعني بشكل من الأشكال رسالة إلى القيادة الرسمية الفلسطينية أن الفرصة ماثلة أمامها للتحرك في هذا الاتجاه. والمؤسف أنها لم تتحرك.

* عودة قضية اللاجئين إلى الاهتمام الدولي تعني في الوقت نفسه فتح ملف النكبة، والتي جوهرها الاستعمار الإحلالي الصهيوني لفلسطين وطرد شعبها خارج بلاده؛ ونهب أرضه وممتلكاته واستجلاب المهاجرين اليهود من اصقاع الأرض. ويعني الاهتمام الدولي المستجد بقضية اللاجئين تظهير القرارات الدولية التي اتخذت في هذا الشأن وفي المقدمة القرار 194 الذي يكفل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها.

* وأدت الفعاليات الوطنية التي انطلقت منذ يوم الأرض إلى إبراز العمل الميداني الموحد في مواجهة الاحتلال، وفي التصدي للأخطار التي تتهدد قضية اللاجئين، وتراجعت في الوقت نفسه تداعيات الانقسام عن المشهد الفلسطيني، وقد كانت مرشحة للتفاقم أكثر قبيل انطلاق هذه الفعاليات على وقع تهديد القيادة الرسمية الفلسطينية باتخاذ المزيد من الإجراءات العقابية ضد القطاع على خلفية تفجير موكب رئيس الوزراء رامي الحمد الله.

* وبالتوازي مع تظهير قضية اللاجئين الفلسطينيين، تلقي المسيرات والفعاليات التي نظمها فلسطينيو الـ48 في ذكرى يوم الأرض الضوء مجدداً على المخططات التي تنفذها دولة الاحتلال في النقب، والتي تستهدف تهجير الفلسطينيين من قراهم وإحلال مستوطنين يهود مكانهم، وتعيد هذه الفعاليات واستمرارها تسليط الضوء على سياسة التمييز بحق فلسطينيين الـ48.

تدرك دولة الاحتلال، من تجارب سابقة، أن المقاومة الشعبية الفلسطينية «خطر» حقيقي على سياساتها التوسعية وعلى استمرار الاحتلال. وتعتمد في مواجهة هذا «الخطر» على استخدام أقصى ما تستطيع من القوة المميتة، وكان هذا واضحاً مع اندلاع الانتفاضة الشبابية الفلسطينية في تشرين الأول/أكتوبر من العام 2015، عندما تعمد جيش الاحتلال ممارسة الإعدام الميداني بحق شبان الانتفاضة، والقتل على «الشبهة» بهدف ترويع شبان الانتفاضة وإخماد مقاومتهم؛ ومع ذلك، يعترف قادة الاحتلال اليوم بأن الانتفاضة لم تنتهِ ولم تخمد.

وفي السياق، يعتمد الاحتلال في مواجهة الانتفاضة وشبانها على التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية ويضغط عليها للتحرك في مواجهة المنتفضين ومراقبة نشاطهم.

لذلك، عندما اتخذ المجلس المركزي الفلسطيني قراراته في دورتيه السابقتين، وأكد فيها على ضرورة دعم المقاومة الشعبية الفلسطينية وحمايتها، أكد في الوقت نفسه على وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال باعتباره متناقضاً مع تشجيع المقاومة الشعبية وحمايتها.

ومن جهة متممة، يحتاج الحراك الشعبي الفلسطيني القائم والمرشح للتطور إلى دعم سياسي لا ينحصر في اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية مع الأهمية البالغة لهذا الأمر، لكن ما يحتاجه هذا الحراك البدء الفوري بتصويب الوضع الفلسطيني. ففي المسألة السياسية، يفترض من القيادة الرسمية الفلسطينية التزام قرارات المجلس المركزي بالقطع مع اتفاق أوسلو والسياسات التي أدت إليه، وربط أية عملية سياسية حول التسوية بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وفي المقدمة القرار 194، وبإشراف الأمم المتحدة والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن عبر مؤتمر دولي، بما يكفل للشعب الفلسطيني حقوقه في العودة والاستقلال وتجسيد حقه في تقرير مصيره.

وما يدعم الحراك الشعبي ويفتح أمامه آفاق التطور إلى انتفاضة شاملة، وبلورة استراتيجية وطنية تستند إلى حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكافة الأشكال المتاحة في إطار برنامج وطني موحد.

كما تدعمه في المباشرة في إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس ديمقراطية عبر الانتخاب وفق قانون التمثيل النسبي. وفي هذا المجال، وعلى ابواب انعقاد المجلس الوطني يفترض التأكيد على ضرورة اتخاذ الإجراءات التي تكفل أن يكون انعقاده مدخلاً لتوحيد الحالة الفلسطينية. وهذا يتطلب أولاً اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس بمشاركة أعضاء اللجنة التنفيذية لم.ت.ف. والأمناء العاملين لفصائل الثورة أو من ينوب عنهم وعدد من الشخصيات المستقلة برئاسة رئيس المجلس الوطني الفلسطيني.

عبر هذه الخطوات يمكن دعم الحراك الشعبي الفلسطيني وتوفير العوامل لتطوره واستمراره باتجاه انتفاضة شعبية شاملة.

بقلم/ محمد السهلي