آفاق الوضع في سوريا بعد العدوان الثلاثي

بقلم: هاني المصري

إيران بحق الرد ولا ترد؟!من يقلل من هذا الاحتمال عليه أن يتذكر القصف الإسرائيلي المستمر لأهداف في سوريا، كان آخرها قصف قاعدة التيفور، وردة فعل إيران وحزب الله، لدرجة أن حسن نصر الله قال إن ما بعد قصف التيفور يختلف عما قبله، وأن إيران دولة كبيرة وقوية وليست جبانة، في إشارة إلى رد محتمل إن لم يكن مؤكدًا، فإلى متى ستحتفظ

وواصلت إسرائيل قرع طبول الحرب مكررة معزوفة أنها لا يمكن أن ترضى باستمرار النفوذ والتواجد الإيراني في سوريا، وأنّ هذا خط أحمر، وأخذت أصوات من داخل الحكومة الإسرائيلية وخارجها تتحدث علنًا عن ضرورة اغتيال بشار الأسد، لأن النجاح في ذلك من شأنه خلط الأوراق وحرف المسيرة عن طريقها التي باتت تؤشر إلى هزيمة كاملة لمخطط تقسيم سوريا وإعادتها إلى مربع التقسيم.

فقد أصيبت إسرائيل بخيبة أمل كبيرة من حجم العدوان، كونه لم يمس على الإطلاق بقدرات النظام، وخصوصًا العسكرية، ولم يترتب عليه أي تغيير في موازين القوى المائل لصالح النظام وحلفائه.

على الرغم مما سبق، من الخطأ اعتبار أن العدوان الثلاثي آخر سهم في جعبة ترامب وحلفائه، فالاحتمالات كلها مفتوحة، ولا يمكن استبعاد أي احتمال بشكل كلي. صحيح أن احتمال الحرب العالمية في سوريا ليس سهلًا كونه سيكون مكلفًا جدًا لكل الأطراف، ولكن لا يمكن إخراجه كليًا من دائرة الاحتمالات، فقد لا يكون العدوان الثلاثي نهاية المطاف، بل قد يكون التدريب الذي يسبق الحرب، كما صرح ميخائيل غورباتشوف، أي سيكون ما بعده، وإن لم يأت من نفس أطراف العدوان، فيمكن أن ينفذ على يد إسرائيل وحدها لجر واشنطن إلى مواجهة مع إيران، خصوصًا أن موعد إلغاء الاتفاق النووي الإيراني من قبل ترامب في شهر أيار القادم يقترب.

.ولكن استعراضية العدوان ومحدوديته والأهداف الهزيلة التي استهدفها، وإبلاغ روسيا قبل تنفيذه خشية من أن يؤدي إلى مواجهة روسية أميركية لا أحد يريدها؛ لم تؤد إلى تحقيق الأهداف، بل ينطبق عليها القول "تمخض الجمل فولد فأرًا"

كما هدف العدوان إلى إرضاء الدول العربية التي مولته وحرضت عليه، وإرسال إنذار مبكر بالحفاظ على النفوذ والمصالح الأميركية وحلفاء واشنطن، خصوصًا إسرائيل، وإعادة الأمور إلى ما قبل انتصار الحلف الروسي الإيراني السوري، ومنعه من الوصول إلى منتهاه.

ونُفِّذَ العدوان بعد القصف الإسرائيلي على قاعدة التيفور الذي راح ضحيته 7 من أفراد الحرس الثوري الإيراني، من بينهم عقيد، وحرضت عليه ومولته ورحبت به دول عربية وغير عربية، على رأسها السعودية، وقطر، وتركيا التي تضع قدمًا هنا والأخرى هناك، بهدف ضرب عصافير عدة بحجر واحد، أولها حفظ ماء وجه ترامب، الذي وعد بالعرض الكبير والصواريخ الذكية والجميلة، وحرف الأنظار عن فضائحه الداخلية، وإحراج روسيا وإيران من خلال عدم قيامهما بالرد رغم الوعود بحماية الحليف السوري والرد على أي اعتداء عليه.

العدوان الثلاثي على سوريا هو عدوان وفق التعريفات اللغوية والقانونية والدولية، سواء كان المرء مع نظام بشار الأسد أم ضده، ولذلك لاحظنا أن الكثير من الأطراف والدول التي تعارض الأسد عارضت العدوان بصورة تدل على تغيير في مواقفها.

إن العدوان الثلاثي على سوريا يأتي في ظل رئاسة دونالد ترامب الرعناء المرتبكة وغير المتوقع ماذا ستفعل، وفي ظل خلافاته مع مؤسسات الدولة العميقة الأميركية، وفضائحه التي تلاحقه وتملي عليه مواقفه. فقد أعلن ترامب انسحابه من سوريا، ثم أجل ذلك لستة أشهر، مقابل تعهد سعودي بتسديد التكاليف. وردت الناطقة باسم البيت الأبيض على تصريح الرئيس الفرنسي بأن ترامب وعده ببقاء القوات الأميركية في سوريا بأن هذا غير صحيح، وأنه لا يوجد تغيير على الخطة الأميركية بالانسحاب.

فأميركا والدول الكبرى تريد الدفاع عن إسرائيل، وعن مصالحها، والسيطرة على النفظ والغاز باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

أما هذه المرة، فارتُكب العدوان بذريعة السلاح الكيميائي قبل وصول المراقبيين الدوليين للتحقيق، وقبل انعقاد مجلس الأمن للبحث في الأمر، ما يدل على وجود نيّة مبيّتة للعدوان، مع أن الولايات المتحدة الأميركية التي تتذرع بالسلاح الكيميائي مثلما تذرعت سابقًا بأسلحة الدمار الشامل في العراق التي اعترفت بعدم وجوده لاحقًا بعدما حصل ما حصل؛ لا يحق لها ذلك لأنها ترتكب بحق البشرية جرائم، لم تبدأ بإبادة الهنود الحمر، ومرورًا باستخدام السلاح النووي ضد "هيروشيما" و"ناجازاكي" بعد إعلان اليابان عن استسلامها، ولا تنتهي بإيقاع ملايين الضحايا في فيتنام، وأفغانستان، والعراق الذي قدم ضحايا وعانى من الحصار والاحتلال الأميركي بصورة لو بقي صدام حسين مائة عام لن تصل معاناة العراقيين إلى حتى مجرد جزء من هذا الحد.

إذا كان النظام قد أخطأ وأجرم في حق شعبه، فإن أعداءه ارتكبوا جرائم بحق الشعب لا تقل، إن لم تزد، عن النظام، بما فيها استخدام السلاح الكيميائي لعشرات المرات وفقًا لتقارير دولية، مع رفضنا لاستخدام هذا السلاح من أي طرف مهما كانت الذرائع.

قلت منذ بداية "الربيع العربي" إن سوريا والبلدان العربية بحاجة إلى تغيير وثورات تحقق الحرية والعيش الكريم والعدالة والديمقراطية، وإن ما شهدته المنطقة العربية كان في البداية إرهاصات لثورات، ولكن سرعان ما دخلت المؤامرة على الخط، وحصل تسابق بين الثورة والمؤامرة انتهى سريعًا لصالح المؤامرة، كما ظهر بانتصار الثورة المضادة.

ما سبق يعني أن الاعتراض المشروع على سياسة النظام وجرائمه قبل أو خلال ما سمي "الربيع العربي"، لا يعطي الحق لأحد في الاستعانة بالشيطان لتغيير نظام الحكم فيها، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير البلد وتقسيمه واستباحته وارتكاب المجازر بحق أبنائه لكل من هب ودب، فمن يستعن بالشيطان يصبح عبدًا له.

قبل كل شيء، لا بد من التفريق بين سوريا قلب العروبة النابض، وبين النظام الحاكم فيها. ويجب على أبناء سوريا والأشقاء العرب والأصدقاء الحرص دائمًا على سلامتها ووحدتها وحريتها واستقلالها ورخائها بغض النظر عن النظام الحاكم فيها.

.عندما طلبت من أصدقائي على موقع "الفيسبوك" منذ يومين مساعدتي في اقتراح أفكار لهذا المقال حول العدوان الثلاثي على سوريا، انهال عليّ سيلٌ من الآراء والاقتراحات الغنية والمتناقضة، وهي كثيرة لدرجة لا أستطيع تناولها في هذا المقال، ولكنها كانت مفيدة جدًا لي

هذا الأمر يقودنا إلى التوقف عند الدور الروسي، بدءًا بالإشارة إلى أنّ روسيا ليست الاتحاد السوفييتي، وما دفعها للقدوم إلى سوريا مصالحها ونفوذها، وحاجتها للعب دور القوة العظمى التي ترغب في إعادة مجدها الغابر، لذا عندما جاءت إلى سوريا في البداية كانت تهدف إلى الحفاظ على موطئ قدم لها في إطار تقسيم سوريا، لدرجة الحديث عن دولة علوية تحفظ قاعدتيها "حميميم" و"طرطوس"، ثم تطورت الأمور لصالحها لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن، إذ أصبحت تدافع عن استعادة وحدة سوريا، وهذا أمر جيد للغاية يمكن أن يوفر أساسًا للالتقاء معها، ولكن على قاعدة أن الهدف يجب أن يكون حلًا سياسيًا يحفظ لسوريا وحدتها وحريتها وسيادتها واستقلالها، وقيام الشعب السوري بتقرير مصيره بنفسه.

فروسيا لن ترحب بدخول حرب عالمية من أجل تحقيق وحدة سوريا، لأنها تدرك اختلال موازين القوى العسكرية والاقتصادية بينها وحلفائها من جهة وبين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، لذلك أبقت خطًا من التواصل مع أميركا وإسرائيل، ما يوجب الحذر والعمل من أجل عدم تطوره بشكل غير مناسب، من خلال إحياء المسار الدولي الذي يحفظ الأدوار والحصص للأطراف الإقليمية والدولية في سوريا، ويعيد إنتاج التقسيم الذي تجاوزته الأحداث في الآونة الأخيرة.

ما سبق يفتح باب الرهان على الدور الروسي، ولكن بحذر ومن دون مبالغة في التوقعات، ولعل استباحة الضربات الإسرائيلية لسوريا من دون ردٍ مناسب مؤشر على ما ذهبنا إليه. لذا، قد تختار روسيا زيادة قدرات الجيش السوري كتعويض عن عدم الرد الذي وعدت به.

يبقى تأثير ما يجري في سوريا على فلسطين، ولا نبالغ بالقول إذا قُسّمت سوريا واستمرت ساحةً لحرب متعددة الأطراف والدول، فإن فلسطين أول الخاسرين، وهذا سيُعبد الطريق لتمرير صفقة ترامب، وإذا فشل المخطط الأميركي الإسرائيلي المعادي لسوريا والعرب رغم رهان بعض العرب عليه، فهذا سيكون رافعة كبرى لإحياء القضية الفلسطينية، ما يمهد لانتصارها اللاحق.

بقلم/ هاني المصري