" الجوع ولا الركوع ... الموت ولا الخضوع " شعار لطالما عبرّ عن إرادة أسرانا في معتقلات العدو " الإسرائيلي " . حيث جاء يوم الأسير الفلسطيني والذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 في السابع عشر من نيسان من كل عام ، تقديراً لنضالات هؤلاء البواسل وتلك الإرادات المجبولة بجينات من الشموخ والعنفوان والصبر والتحدي ، والإيمان الذي لا ينضب ، بأن فجر الحرية قادم مهما أوصد سجان كيان العدو " الإسرائيلي " من أبواب زنازينه ، وأبدع في التعذيب إشباعاً لساديته وعنصريته التي لا حدود لها .
لقد شكلت قضية الأسرى وعلى مدار عقود الصراع مع العدو الصهيوني ، عنواناً محورياً في النضال والكفاح الفلسطيني ، لما مثلته الحركة الأسيرة من قيم نضالية ، أولاً كجزءٍ أصيل من الحركة الوطنية الفلسطينية ، وركن أساسي من أركان القضية الفلسطينية . وثانياً من رمزية خاصة في الوجدان الجمعي للشعب الفلسطيني . فتاريخ الحركة الأسيرة بدأ مع بدايات الإغتصاب الصهيوني للأراضي الفلسطينية عام 1948 ، وهي سجلت نحو مليون حالة اعتقال على مدار ما يزيد عن العقود السبعة من عمر القضية الفلسطينية . كيف لا والأسرى كانوا ولا يزالون طليعة تقدمية من الشباب الفلسطيني الذين قدموا حياتهم وحريتهم على مذبح الكرامة الوطنية ، حيث تمكنت الحركة الأسيرة خلال عقود الاحتلال الصهيوني لأرضنا الفلسطينية من تحويل المعتقلات إلى مدارس ومعاقل كفاحية خرّجت الآلاف من المناضلين والمقاومين والقادة الذين تقدموا صفوف نضالنا وكفاحنا في مراحل مختلفة بعد أن نظموا صفوفهم . ولعلّ الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية في أعوام 1987 و 2000 خير الشاهد على الآثر البالغ لتلك الحركة التي تنامى واشتدّ ساعد نضالها في غياهب تلك المعتقلات التي أراد من خلالها العدو الصهيوني أن تكون مقبرة لخيارات مناضلينا ومقاومينا وقادتنا في الاستمرار على طريق المقاومة ، وتحويلهم من خلال إجراءاته التعسفية والقمعية إلى مجردِ فئاتٍ هامشية مهمشة وعالة على المجتمع الفلسطيني المقاوم . ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تعداه إلى مساهماتها الجادة في طرح رؤيتها في الشأن السياسي والوطني الفلسطيني خصوصاً بعد الانقسام الحاد الذي عانت ولا زالت منه الساحة الفلسطينية منذ العام 2007 ، وكيفية الخروج من مأزقه عبر " وثيقة الأسرى " ، ومن ثم سميت ب" وثيقة الوفاق الوطني " .
لقد مثلت الحركة الأسيرة في النضال الوطني الفلسطيني حالة متفردة في أساليب صمودها ومواجهتها ومقاومتها لكل الإجراءات التعسفية الجسدية والمعنوية والنفسية التي تلجأ إليها إدارة مصلحة السجون " الإسرائيلية " في محاولة بائسة منها لكسر إرادة أسرانا البواسل . ولم تتوقف حالة الفرادة هذه عند تلك الحدود بل تتعداها الحركة الأسيرة في السجون إلى اجتراح متجدد في أساليب المواجهة مع الإدارة والسجان " الإسرائيلي " ، الذين وقفوا عاجزين أمام صلابة وصمود أسرانا وقياداتهم التي تعمل على توحيد الحركة بين جميع مكوناتها من فصائل ونخب . ونضال أسرانا زاخرٌ بتلك الصور والأنماط النضالية الكفاحية التي اجترحتها الحركة الأسيرة ، ولعلّ إضراب الحرية والكرامة في منتصف شهر نيسان من العام الماضي ، والذي شارك فيه 1300 أسير ، واستمر 41 يوماً ، قد شكلّ علامة فارقة في نضال الأسرى ، وقد تقدم الأسير المناضل مروان البرغوثي صفوف أسرانا الذين حصروا مطالبهم في تحسين الشروط المعيشية والإنسانية من خلال تحسين وتوفير العلاج الطبي ، والسماح بإعادة تعليم الأسرى ، ووقف العزل الإنفرادي ، ومعاودة الاتصال التلفوني للأسرى بأسرهم وعائلاتهم . مضافاً لذلك الإضرابات الفردية التي خاضها ويخوضها أسرانا البواسل .
الواجب الوطني والإنساني والأخلاقي يفرض علينا جميعاً المسارعة إلى نصرة ومساندة الأسرى الذين كانوا ولا يزالون جزءاً لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني وحركته الوطنية . فهم لا يشوهون ذاكرتنا ، بل يساهمون في تنشيطها وتجديدها .
بقلم/ رامز مصطفى