بالأمس شدني كثيرا المبادرة الرائعة التي قام بها مجلس التشغيل والتعليم والتدريب المهني والتقني في محافظات غزة لأحياء الاسبوع الرابع للتدريب والتعليم المهني TVETتحت رعاية وزارتي العمل والتربية والتعليم، وذلك بإقامة معرض لتخصصات مراكز وكليات التدريب المهني والتقني وعرض مهارات وقدرات الخريجين ومدى استعدادهم للالتحاق في سوق العمل بالإضافة للهدف العام" تعزيز الوعي نحو التدريب المهني وأهميته في التمهير والتشغيل" وهذا العمل المتقن والهادف يأتي في إطار فكرة تطوير الوعي والقيم والاتجاهات والسلوك الاجتماعي لخلق ثقافة متطورة نحو التدريب والتعليم المهني والتقني، حيث يعد في المجتمعات المعاصرة أحد أهم أدوات التنمية ووسيلتها باستهدافه للإنسان العامل فهو اداة وهدف للتنمية، فاذا ما أحسن استثماره وتوظيف مهاراته مهنيا وعمليا، ساهم ذلك في تحقيق الكفاءة والكفاية لتحسين جودة الاداء والانتاج، فالتدريب المهني كما يعرف بأنه عملية منظمة وهادفة لإكساب الفرد مهارات تقنية جديدة تناسب المهن المتطورة والمحدثة، وتمكنه من ممارستها بكفاءة وقدرة ومهارة وملائمة لمواصفات المهنة وعصرنتها، وتعني ايضا الجهد النظامي المتكامل والمستمر لتنمية معرفة ومهارة وسلوك الانسان العامل لأداء عمله بدرجة عالية من الكفاءة والفعالية والكفاية والجودة .
تشير معظم الدراسات والابحاث الاقتصادية والتنموية بأن التدريب المهني أصبح ضرورة وحاجة ملحة لموائمة الانسان العامل وتمهيره وتنمية قدراته وفق احتياجات سوق العمل، وذلك ضمن الخطوات الفعالة لمواجهة آفتي البطالة والفقر، كما وتؤكد الدراسات بان التدريب والتأهيل المهني المنظم والمدروس وفق خطة وسياسات تنموية تواكب التطور والعصرنه يلعب دورا مؤثرا وفعالا وأساسيا في نمو الثقافة وصناعة الحضارة باعتباره مركز التعليم والتدريب والتمهير لتنمية وتطوير قدرات العنصر البشري مما ينعكس على المجتمع بكل فئاته الاجتماعية، من هنا فالتدريب المهني هو الطريق الامثل والانجح لإعداد الانسان العامل والمنتج مهنيا وتقنيا بما يتناسب مع متطلبات المهن المتغيرة والمتطورة ارتباطا بالمتغيرات التقنية والتكنلوجيا والعصرنه والحداثة والانفجار المعرفي والتقدم في جميع مناحي الحياة وتحول العالم لقرية صغيرة بما تحمل من معني ووسائل وسهولة لانتقال المعارف والمعلومات من مجتمع لأخر بسلاسة ضمن وسائل وتقنيات الاتصال المتطورة وتوفير امكانيات الانتقال للعمل في أسواق عمل بديلة، فالتدريب المهني عملية مستقبلية تهدف لضمان مستقبل العامل والنهوض به في جميع القطاعات، وعلى كافة المستويات واعداده مهنيا ليصبح قادرا على الالتحاق بسوق العمل والمهنة المناسبة بكفاءة ومهارة عالية، وهذا استثمار للإنسان يساعده في تنمية مهارته وقدراته العملية وينمي ملكات التفكير والابداع لديه.
ان التوجه لدي الشركاء الاجتماعيين من أطراف الانتاج، والنشاط الاخير لمجلس التشغيل وشركاؤه ينصب في تنشيط الاهتمام في مجتمعنا الفلسطيني باتجاه تعزيز الوعي والثقافة نحو التدريب والتعليم المهني باعتباره أحداهم الطرق والوسائل للتدخل المباشر في علاج مشكلة البطالة والفقر، فتمكين الشباب والعمال من مهارات مهنية تناسب بيئة العمل واحتياجات السوق والمهن المتطورة يتيح الفرصة للاندماج بسرعة في سوق العمل، فالتدريب فرصة ذهبية في ظل تردي الاوضاع الاقتصادية تتيح المجال للخريجين من مراكز التدريب المهني للتأهيل مهنيا والاستجابة لمتغيرات بيئة العمل بما تحمل من تقدم تقني وتكنولوجي وحداثة، وعلى راي المثل الشعبي " الصنعة اذا لم تغني تستر صاحبها"
ولإنجاح هذه الجهود والتوجهات لتعزيز الثقافة المجتمعية وتوجيه الشباب والاهالي نحو التعليم والتدريب المهني كبديل فعال يساهم في التنمية، وخلق فرص للعمل نحتاج للكثير من البرامج والانشطة ضمن خطة استراتيجية متكاملة تهدف لتعزيز وتكوين الوعي والفكر للتوجه نحو التدريب المهني والالتحاق للمؤسسات والمراكز والمعاهد المهنية واعطائها أولويات للتسجيل ويأتي ذلك من خلال الخطوات التالية:
- ضرورة تطوير سياسات ومناهج التعليم والتدريب المهني لتتوائم مع واقع واحتياجات سوق العمل والمهن الحديثة والمتطورة.
- تطوير امكانية وقدرات المؤسسات والمعاهد المتخصصة في مجال التدريب المهني ومواكبتها للحداثة المهنية والتطور التقني في المهن والاعمال الانتاجية.
- تطوير وتعزيز العلاقات الثلاثية بين أطراف الانتاج الاجتماعيين " ممثلين العمال وممثلين المشغلين الحكومة " لتشارك في رسم السياسات للتدريب المهني والتعليم المهني والتقني بما يتناسب البيئة الوطنية واسواق العمل المحلية والخارجية والتطور المهني والتقني والتكنولوجي.
- العمل على نشر الوعي والثقافة على مستوى المجتمع نحو التدريب المهني وأبعاده للاستثمار في الانسان وتطوير قدراته ومهارته لتهيئته لفرص عمل جديدة.
- مشاركة ممثلين ومشاركة القطاع الخاص والجهات التشغيلية في تطوير سياسات ومناهج التدريب المهني لموائمة واحتياجات سوق العمل ضمن دراسات معمقة للبيئة التشغيلية وفهم احتياجات وطبيعة المجالات ومستوى التطور والتحديث في الادوات والماكنات والتكنلوجيا.
- ضرورة أن يكون هناك خطة استراتيجية باتجاه تنموي لتطوير سياسات التعليم العالي لدمج التدريب المهني والتعليم التقني ضمنها بطريقة تساهم في ربط التعليم واحتياجات سوق العمل والبيئة التشغيلية المحلية والخارجية ومراعاة التدريب العملي للطلاب في ميادين العمل الفعلية لسقل قدراتهم وتنميتها وفق احتياجات سوق العمل ليكونوا على جاهزية للالتحاق بالعمل في أقرب فرصة.
- التاكيد على الجهود التي بذلها وزير العمل مأمون ابو شهلا ووزير العمل صبري صيدم لتشكيل مجلس اعلى للتدريب والتعليم المهني والتقني، وضرورة اطلاق برامجه التنفيذية بكفاءة وبصورة فعالة في كافة انحاء الوطن.
هذه الخطوات قد تساعد في وضع قاعدة وأساسا للعمل مستقبلا في اطار التدريب وتنمية مهارات التفكير التأملي والابداع وبناء القدرات والمهارات في مراكز ومؤسسات التدريب المهني بكل مجالاتها وأنواعها المهنية، وذلك ضمن توصيف وسياسات متفق عليها تساهم في إعادة التوازن لواقع هياكل العمالة النوعي والعددي، في حال حدث فائض في تخصص أو قطاع معين من العمال والخريجين، يمكن تأهيلهم مهنيا من خلال التدريب التحويلي في مجالات وتخصصات جديده ضمن احتياجات سوق العمل لسد أي عجز فيه، وهذا يتيح الفرصة لتفهم العلاقة بين النظري والتطبيق العمل، وينمي الوعي لدي العمال والشباب والأهالي لتقبل التغيير والاستعداد له، وبذل الجهد لتعزيز التوجه نحو التدريب المهني والتقني وهذا كله سيشكل مدخلا أساسيا لزيادة معدلات التنمية ومواجهة البطالة، فالعلاقة بين التنمية والبطالة علاقة عكسية ومباشرة كلما زادت معدلات النمو الاقتصادي انخفضت معدلات البطالة وارتفع مستوى الدخل، وهذا يساهم في خلق فرص عمل جديدة واستيعاب عمال جدد في سوق العمل .
أخيرا لتتكاتف كل الجهود وتتعاون كل الأطراف ونطور وعينا باتجاه أهمية التدريب والتعليم المهني لنستطيع أن نستثمر في أغلي ما نملك وهو الانسان وهو المورد الأساسي لمجتمعنا الفلسطيني.
بقلم/ د. سلامه أبو زعيتر