إذا كان المجلس الوطني الفلسطيني هو "السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها وبرامجها"، كما تقضي المادة (7) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، فأي سياسة وأي مخططات وبرامج وضعها هذا المجلس الوطني أو يمكن له أن يضعها وهو سادر في نوم امتد لاثنتين وعشرين عاماً؟!
وإذا كانت "السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية" هي "المجلس الوطني الفلسطيني" الذي امتد غيابه أو تغييبه لمدة زادت عن عشرين عاماً، فكيف يمكن لنا أن نصف منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت سلطتها العليا - وما تزال – منعقدة لهذا المجلس الوطني الذي غيبوه وغيب نفسه لمدة اثنتين وعشرين عاماً، وربما ستزيد؟!
وإذا كان المجلس الوطني مدته "ثلاث سنوات" وانعقاده "دورياً بدعوة من رئيسه مرة كل سنة"، كما تقضي المادة (8) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، فأي مجلس وطني هذا الذي يستمر لاثنتين وعشرين عاماً دون انعقاد عادي وهو الذي يصفه النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في مادته (7/أ) بأنه "السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية" وأنه "هو الذي يصنع سياسة المنظمة ويخطط لها ويصنع برامجها؟!
وإذا كان على المجلس الوطني الفلسطيني – طبقاً للمادة (15) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية أن ينظر" في دور انعقاده العادي في التقرير السنوي الذي تقدمه اللجنة التنفيذية عن إنجازات المنظمة وأجهزتها"، وأن ينظر في "التقرير السنوي للصندوق القومي واعتماد الميزانية، وأن ينظر في "الاقتراحات التي تقدم إليه من اللجنة التنفيذية وتوصيات لجان المجلس"، فكيف لهذا المجلس الوطني الذي لم يلتئم في اجتماع عادي طوال اثنتين وعشرين عاماً أن ينظر في التقرير السنوي للجنة التنفيذية عن انجازات المنظمة وأجهزتها؟! وكيف له أن ينظر في تقرير الصندوق القومي السنوي؟! وكيف له أن ينظر في الميزانية وأن يعتمدها؟! وكيف له أن ينظر في أي اقتراحات تقدمها اللجنة التنفيذية له أو في أي توصيات تقدمها لجانه؟! واستتباعاً لهذه التساؤلات، ألا يحق لنا أن نتساءل إن كان هناك - فعلاً وحقاً -لجنة تنفيذية تُعِد بالفعل تقريراً سنوياً عن إنجازات المنظمة وأجهزتها، أو تُعِد مقترحات كي تقدمها إلى مجلس وطني أمضى من عمره اثنتين وعشرين عاماً دون أن يجتمع على نحو عادي؟! وعليه، فأين تذهب تلك التقارير والمقترحات، يا ترى، إن لم يكن مصيرها أن تبقى حبيسة الأدراج، حيث وجودها كعدمه؟!
وإذا كان من مهام المجلس الوطني الفلسطيني أن "يؤلف – تيسيراً لأعماله – اللجان التي يرى ضرورة لتشكيلها، وتقدم هذه اللجان تقاريرها وتوصياتها إلى المجلس الوطني الذي يقوم بدوره بمناقشتها ويصدر قراراً بشأنها"، حسبما تقضي المادة (11) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، فأي مهام يمكن لهذا المجلس الوطني أن يكون قد نهض بها فيما هو غائب ومغيب لم يلتئم لاثنتين وعشرين عاماً؟! وأي لجان رأى هذا المجلس - وهو غائب ومغيب لم يجتمع لمدة زادت عن عشرين عاماً – ضرورة لتشكيلها؟! وأي تقارير وتوصيات قدمتها تلك اللجان لهذا المجلس الوطني وقام بمناقشتها وأصدر القرارات بشأنها دون أن يجتمع لمدة عقدين كاملين ويزيد؟!
وإذا كان من مهام اللجنة التنفيذية – التي تصفها المادة (15) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية بأنها "دائمة الانعقاد" - أنها "تتولى تنفيذ السياسة والبرامج والمخططات التي يقررها المجلس الوطني"، وأنها "تكون مسؤولة أمامه مسؤولية تضامنية وفردية"، فماذا يمكن لهذا المجلس الوطني أن يقرر إذا كان هو في الأصل لم يجتمع لاثنتين وعشرين عاماً؟! وما الذي يمكن لهذه اللجنة التنفيذية التي هي "دائمة الانعقاد" أن تتولاه من تنفيذ سياسات وبرامج ومخططات يقررها مجلس لم يجتمع طيلة اثنتين وعشرين عاماً مضت؟! وكيف لهذا المجلس الوطني أن يقرر سياسات وبرامج ومخططات دون أن يجتمع على مدار اثنتين وعشرين عاماً؟ ألا يعني ذلك أن اللجنة التنفيذية التي يصفها النظام الأساسي بأنها "دائمة الانعقاد" أنها إما ليست موجودة في الأصل أو أنها لا تنجز شيئاً تقدمه لجهة هي في الأصل ليست موجودة أيضا،ً وأن دوام انعقادها هو مجرد رسم على الورق لا غير؟! وفوق ذلك، فأي مسؤولية – سواء تضامنية أم فردية – تحملها هذه اللجنة التنفيذية أمام مجلس وطني لم يجتمع لاثنتين وعشرين عاما؟!
وإذا كانت المادة (20) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية تقضي بأن "تستمر اللجنة التنفيذية في ممارسة صلاحياتها واختصاصاتها ما دامت متمتعة بثقة المجلس الوطني، وعلى اللجنة التنفيذية أن تقدم استقالتها للمجلس الوطني الجديد في أول اجتماع يعقده...."، فأي ثقة هذه التي تتمتع بها هذه اللجنة التنفيذية من هذا المجلس الوطني الذي لا حضور له بفعل غيابه وتغييبه لاثنتين وعشرين عاماً؟! وبمفهوم المخالفة، كيف يمكن لهذه اللجنة التنفيذية ألا تتمتع بثقة هذا المجلس الوطني الذي لم ولا يَسأل ولم ولا يُسأل طيلة اثنتين وعشرين عاماً ظل فيها غائباً ومغيباً لا يلتئم؟! وأي مجلس وطني جديد يتوجب على هذه اللجنة التنفيذية أن تقدم له استقالتها في أول اجتماع يعقده طالما أن المجلس الوطني هذا هو ذاته المجلس الوطني الذي ظل مقيماً في نوم الغياب والتغييب مدة زادت عن العقدين؟!
أما أخر الكلام، فإن مجلسنا الوطني الذي هو السلطة العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية ليس إلا يافطة بوجهين يرفع المتنفذ إحداهما مانعاً والأخرى يرفعها مانحاً فيما المنع والمنح ليس لأي منهما أي علاقة بالمصلحة الوطنية.
بقلم/ د. أيوب عثمان